وخامسها : أنه روي في قراءة هذه الآية الرفع : « ألم يجدك يتيم فآوى * ووجدك ضال فهدى » على أن اليتيم وجده ، وكذا الضال ، وهذا الوجه ضعيف لان القراءة غير معروفة ، لان الكلام يفسد أكثر معانيه (١).
فإن قيل : ما معنى « ووضعنا عنك وزرك » قلنا : أما الوزر في اصل اللغة فهو الثقل ، وإنما سميت الذنوب بأنها أوزار لانها يثقل كاسبها وحاملها ، وإذا كان أصل الوزر ما ذكرناه فكل شئ أثقل الانسان وغمه وكده وجهده جاز أن يسمى وزرا ، تشبيها بالوزر الذي هو الثقل الحقيقي ، وليس يمتنع أن يكون الوزر في الآية إنما أراد به غمه وهمه (ص) بما كان عليه قومه من الشرك بأنه كان (٢) هو وأصحابه بينهم مستضعفا مقهورا مغمورا ، فكل ذلك مما يتعب الفكر ويكد النفس ، فلما أن أعلى الله كلمته و نشر دعوته وبسط يده خاطبه بهذا الخطاب تذكيرا له بموقع النعمة عليه ليقابله بالشكر والثناء والحمد ، ويقوي هذا التأويل قوله تعالى : « ورفعنا لك ذكرك » وقوله عزوجل « فإن مع العسر يسرا » والعسر بالشدائد والغموم أشبه ، وكذلك اليسر بتفريج الكرب وإزالة الهموم والغموم أشبه.
فإن قيل : هذا التأويل يبطله أن هذه السورة مكية نزلت على النبي (ص) وهو في الحال الذي (٣) ذكرتم أنها كانت تغمه من ضعف الكلمة وشدة الخوف من الاعداء (٤).
قلنا عن هذا السؤال : جوابين (٥) : أحدهما : أنه تعالى لما بشره بأنه يعلي دينه على الدين كله ويظهره عليه ويشفي من أعدائه غيظه وغيظ المؤمنين به كان بذلك واضعا عنه ثقل غمه بما كان يلحقه من قومه ، ومطيبا لنفسه ، ومبدلا عسره يسرا ، لانه يثق
___________________
(١) تنزيه الانبياء ١٠٥ و ١٠٦.
(٢) في المصدر : وانه كان.
(٣) في المصدر : وهو في الحال التى ذكرتم.
(٤) زاد في المصدر هنا : وقبل أن يعلى الله كلمة المسلمين على المشركين ، فلا وجه لما ذكرتموه
(٥) في المصدر : جوابان.