الحال ثم صمت فلم يتكلم حتى مضت له سنتان ، وكان زكريا الحجة لله على الناس بعد صمت عيسى بسنتين ، ثم مات زكريا فورثه ابنه يحيى الكتاب والحكمة وهو صبي صغير ، أما تسمع لقوله عزوجل : « يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا (١) » فلما بلغ عيسى عليهالسلام سبع سنين تكلم النبوة والرسالة حين أوحى الله تعالى إليه ، فكان عيسى الحجة على يحيى وعلى الناس أجمعين إلى آخر الخبر (٢).
وقد ورد في أخبار كثيرة أن الله لم يعط نبيا فضيلة ولا كرامة ولا معجزة إلا وقد أعطاه نبينا (ص) ، فكيف جاز أن يكون عيسى عليهالسلام في المهد نبيا ، ولم يكن نبينا (ص) إلى أربعين سنة نبيا؟ ويؤيده ما مر في أخبار ولادته صلىاللهعليهوآله وما ظهر منه في تلك الحال من إظهار النبوة ، وما مر وسيأتي من أحوالهم وكمالهم في عالم الاظلة وعند الميثاق ، وأنهم كانوا يعبدون الله تعالى ويسبحونه في حجب النور قبل خلق آدم عليهالسلام وأن الملائكة منهم تعلموا التسبيح والتهليل والتقديس إلى غير ذلك من الاخبار الواردة في بدء أنوارهم ، ويؤيده ما ورد في أخبار ولادة أمير المؤمنين عليهالسلام أنه عليهالسلام قرأ الكتب السماوية على النبي (ص) بعد ولادته ، وما سيأتي من أن القائم عليهالسلام في حجر أبيه عليهالسلام أجاب عن المسائل الغامضة ، وأخبر عن الامور الغائبة ، وكذا سائر الائمة عليهمالسلام كما سيأتي في أخبار ولادتهم عليهمالسلام ومعجزاتهم ، فكيف يجوز عاقل أن يكون النبي صلىاللهعليهوآله في ذلك أدون منهم جميعا؟
الخامس : أنه صلىاللهعليهوآله بعد ما بلغ حد التكليف لابد من أن يكون إما نبيا عاملا بشريعته أو تابعا لغيره ، لما سيأتي من الاخبار المتواترة أن الله لا يخلي الزمان من حجة ولا يرفع التكليف عن أحد ، وقد كان في زمانه أوصياء عيسى عليهالسلام وأوصياء إبراهيم عليهالسلام فل لم يكن اوحي إليه بشريعة ولم يعلم أنه نبي كيف جاز له أن لا يتابع أوصياه عيسى عليهالسلام ولا يعمل بشريعتهم إن كان عيسى عليهالسلام مبعوثا إلى الكافة ، وإن لم يكن مبعوثا إلى الكافة ، وكان شريعة إبراهيم عليهالسلام باقيا في بني إسماعيل كما هو الظاهر ، فكان عليه أن يتبع أوصياء إبراهيم عليهالسلام ، ويكونوا حجة عليه صلىاللهعليهوآله ، وهو باطل بوجهين :
__________________
(١) مريم : ١٢.
(٢) اصول الكافى ١ : ٣٨٢.