ذلك لما كان عندهم من أخبار اليهود ، وبلغ رسول الله صلىاللهعليهوآله أن الاوس والخزرج قد دخلوا في الاسلام ، وكتب إليه مصعب بذلك ، وكان كل من دخل في الاسلام من قريش ضربه قومه وعذبوه ، فكأن رسول الله صلىاللهعليهوآله يأمرهم أن يخرجوا إلى المدينة فكانوا يتسللون رجلا فرجلا(١) فيصيرون إلى المدينة ، فينزلهم الاوس والخزرج عليهم ويواسونهم.
قال : فلما قدمت الاوس والخزرج مكة جاءهم رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال لهم : تمنعون لي جانبي حتى أتلو عليكم كتاب ربكم ، وثوابكم على الله الجنة ، قالو نعم يا رسول الله ، فخذ لنفسك ولربك ما شئت ، فقال : موعدكم العقبة في الليلة الوسطى من ليالي التشريق ، فلما حجوا رجعوا إلى منى وكان فيهم ممن قد أسلم بشر كثير ، وكان أكثرهم مشركين على دينهم ، وعبدالله بن أبي فيهم ، فقال لهم رسول الله في اليوم الثاني من أيام التشريق : فاحضروا دار عبدالمطلب على العقبة ، ولا تنبهوا نائما وليتسلل واحد فواحد ، وكان رسول الله (ص) نازلا في دار عبدالمطلب وحمزة وعلي والعباس معه ، فجاءه سبعون رجلا من الاوس والخزرج فدخلوا الدار فلما اجتمعوا قال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآله : تمنعون لي جانبي حتى أتلوا عليكم كتاب ربي ، وثوابكم على الله الجنة؟ فقال أسعد بن زرارة والبراء بن معرور وعبدالله بن حزام(٢) : نعم يا رسول الله ، فاشترط لنفسك ولربك. ففال رسول الله : تمنعونني مما تمنعون أنفسكم وتمنعون أهلي مما تمنعون أهليكم وأولادكم؟ قالوا : فما لنا على ذلك؟ قال : الجنة ، تملكون بها العرب في الدنيا ، وتدين لكم العجم ، و تكونون ملوكا ، فقالوا : قد رضينا ، فقام العباس بن نضلة وكان من الاوس فقال : يا معشر الاوس والخزرج تعلمون على ما تقدمون عليه؟ إنما تقدمون على حرب الاحمر والابيض ، وعلى حرب ملوك الدنيا فإن علمتم أنه إذا أصابتكم المصيبة في أنفسكم خذلتموه وتركتموه فلا تغروه : فإن رسول الله وإن كان قومه
____________________
(١) في المصدر : رجل فرجل.
(٢) الصحيح حرام ، وهو عبدالله بن عمرو بن حرام والد جابر الانصارى.