من حاله قليل ولا كثير ، فقيل : أفرأيت أكفانه؟ قال : إنما كفن في نمرة خمر بها وجهه وعلى رجليه الحرمل(١) ، فوجدنا النمرة كما هي ، والحرمل على رجليه كهيئته ، وبين ذلك وبين دفنه ست وأربعون سنة ، فشاورهم(٢) جابر في أن يطيبه بمسك فأبى ذلك أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله وقالوا : لا تحدثوا فيهم(٣) شيئا.
قال : ويقال : إن معاوية لما أراد أن يجري العين التي أحدثها بالمدينة وهي كظامة نادى مناديه بالمدينة : من كان له قتيل بأحد فليشهد ، فخرج الناس إلى قتلاهم فوجدوهم رطابا يتثنون فأصابت المسحاة رجل رجل منهم فثعبت(٤) دما ، فقال أبوسعيد الخدري : لا ينكر بعد هذا منكر أبدا.
قال : ووجد عبدالله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبر ، وخارجة بن زيد وسعد بن الربيع في قبر ، فأما قبر عبدالله وعمرو فحول ، وذلك أن القناة كانت تمر على قبرهما ، وأما قبر خارجة وسعد فترك لان مكانه كان معتزلا ، ولقد كانوا يحفرون التراب ، فكلما حفروا قترة(٥) من تراب فاح عليهم المسك.
قال الواقدي : وكانت نسيبة بنت كعب قد شهدت أحدا وابناها عمارة بن غزية وعبدالله بن زيد ، وزوجها غزية ، وخرجت ومعها شن لها في أول النهار تريد تسقي الجرحى ، فقاتلت يومئذ وأبلت بلاء حسنا ، فجرحت اثنى عشر جرحا بين طعنة برمح أو ضربة بسيف ، فكانت أم سعد تحدث فتقول : دخلت عليها فقلت لها : يا خالة حدثيني خبرك ، فقالت : خرجت أول النهار إلى أحد وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء ، فانتهيت إلى رسول الله (ص) وهو في الصحابة والدولة والريح للمسلمين ، فلما انهزم المسلمين انحزت إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فجعلت أباشر القتال
___________________
(١) الحرمل ، نبات البادية له حب اسود كالسمسم ، ويقال بالفارسية : سبند.
(٢) في نسخة المصنف : فشاور.
(٣) هكذا في الكتاب ومصدره.
(٤) في المصدر : فثغبت.
(٥) القترة : الغبرة. وفى المصدر : القبرة.