ليحصل بينهم تألف وتضام ينتظم بذلك نظام العالم لا لكمال في الموسع ، ولا النقص في المقتر ثم إنهم لا اعتراض لهم علينا في ذلك ولا تصرف ، فيكف يكون فيما هو أعلى منه « ورحمة ربك » أي هذه النبوة وما يتبعها « خير مما يجمعون » من حطام الدنيا والعظيم من رزق منها لامنه انتهى.
وأقول : الآيتان صريحتان في أن الرزق والمراتب الدنيوية لما كانت بقسمته وتقديره سبحانه فالمراتب الاخروية والدرجات المعنوية كالنبوة وما هو تاليها في أنه رفعة معنوية وخلافة دينية وهي الامامة أولى وأحرى بأن تكون بتعيينه تعالى ولا يكلها إلى العباد ، وأيضا إذا قصرت عقول العباد عن قسمة الدرجات الدنيوية فهي أحرى بأن تكون قاصرة عن تعيين منزلة هي تشتمل على الرياسة الدينية والدنيوية معا ، وهذا بين بحمد الله في الآيتين على وجه ليس فيه ارتياب ولا شك والله الموفق للصواب.
١ ـ ب : ابن عيسى ، عن البزنطي قال : دخلت على الرضا عليهالسلام بالقادسية فقلت له : جعلت فداك إني اريد أن أسألك عن شئ وأنا اجلك والخطب فيه جليل وإنما اريد فكاك رقبتي من النار ، فرآني وقد دمعت فقال : لا تدع شيئا تريد أن تسألني عنه إلا سألتني عنه ، قلت له : جعلت فداك إني سألت أباك وهو نازل في هذا الموضع عن خليفته من بعده فدلني عليك ، وقد سألتك منذ سنين ـ وليس لك ولد ـ عن الامامة فيمن تكون من بعدك؟ فقلت : في ولدي ، وقد وهب الله لك ابنين ، فأيهما عندك بمنزلتك التي كانت عند أبيك؟ فقال لي : هذا الذي سألت عنه ليس هذا وقته فقلت له : جعلت فداك قد رأيت ما ابتلينا به من أبيك ، ولست آمن الاحداث ، فقال : كلا إن شاء الله ، لو كان الذي تخاف كان مني في ذلك حجة أحتج بها عليك وعلى غيرك ، أما علمت أن الامام الفرض عليه والواجب من الله إذا خاف الفوت على نفسه أن يحتج في الامام من بعده بحجة معروفة مبينة ، إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : « وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون(١) فطب
____________________
(١) التوبة : ١١٥.