وجعل في المؤمنين أصحاب الميمنة روح الايمان ، فبه خافوا الله ، وجعل فيهم روح القوة قبه قووا على الطاعة من الله ، وجعل فيهم روح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله ، وجعل فيهم روح المدرج الذي يذهب الناس به ويجيئون(١).
تبيين : « أزواجا » أي أصنافا « ما أصحاب الميمنة » الاستفهام للتعجب من علو حالهم ، والجملة الاستفهامية خبر بإقامة الظاهر مقام الضمير ، وسموا بذلك لانهم عند الميثاق كانوا على اليمين ، أو يكونون في الحشر عن يمين العرش ، أو يؤتون صحائفهم بأيمانهم ، أو لانهم أهل اليمن والبركة ، وأصحاب المشأمة على خلاف ذلك « والسابقون السابقون » أي الذين سبقوا إلى الايمان والطاعة ، أو إلى حيازة الفضائل أو الانبياء(٢) والاوصياء ، فإنهم مقدمو أهل الايمان ، هم الذين عرفت حالهم ومآلهم والدين سبقوا إلى الجنة « اولئك المقربون » أي الذين قربت درجاتهم في الجنة واعليت مراتبهم « وخاصة الله » أي سائر الانبياء وجميع الاوصياء الذين اختصهم الله لخلافته.
ثم اعلم أن الروح يطلق على النفس الناطقة ، وعلى النفس الحيوانية لسارية في البدن ، على خلق عظيم إما من جنس الملائكة أو أعظم منهم ، والارواح المذكورة هنا يمكن أن تكون أرواحا مختلفة متباينة بعضها في البدن ، وبعضها خارجة عنه ، أو يكون المراد بالجميع النفس الناطقة باعتبار أعمالها وأحوالها ودرجاتها ومراتبها ، أو اطلقت على تلك الاحوال والدرجات ، كما أنه تطلق عليها النفس الامارة واللوامة والملهمة والمطمئنة بحسب درجاتها ومراتبها في الطاعة ، والعقل الهيولاني وبالملكة وبالفعل والمستفاد بحسب مراتبها في العلم والمعرفة.
ويحتمل أن تكون روح القوة والشهوة والمدرج كلها الروح الحيوانية ، و روح الايمان وروح القدس النفس الناطقة بحسب كمالاتها ، أو تكون الاربعة سوى روح
____________________
(١) بصائر الدرجات : ١٣٢. والايات في الواقعة : ٧ ـ ١١.
(٢) في نسخة. وهم الانبياء.