بالجمل ما يقبل البداء من الامور ، وبالتفسير والتفصيل تعيين ما هو محتوم وما يقبل البداء كما يظهر من سائر الاخبار ، ولما كان علم البداء غامضا وفهمه مشكلا أبهم عليهالسلام على السائل ولم يوضحه له.فقوله : هذا مما امروا بكتمان أمر البداء من غير أهله لقصور فهمهم. أو أنهم قبل أن يعين لهم الامور البدائية والمحتومة لا يجوز لهم الاخبار بها ، ولدا قال أمير المؤمنين عليهالسلام : « لولا آية في كتاب الله لاخبرت بما يكون إلى يوم القيامة ».
فقوله : لا يعلم تفسير ما سألت أي لا يعلم ما يكون محتوما وما ليس بمحتوم في السنة قبل نزول الملائكة والروح إلا الله ، وأما قوله عليهالسلام : لا يحل لك ، فهو إما لقصوره عن فهم معنى البداء ، أو لان توضيح ما ينزل في ليلة القدر والعلم بخصوصياته مما لا يمكن لسائر الناس غير الاوصياء عليهمالسلام الاحاطة به ، ويؤيد هذا قوله : فإن الله عزوجل أبي ، وعلى الاول يمكن تعميم الانفس على وجه يشمل خواص أصحابهم وأصحاب أسرارهم مجازا والحاصل أن توضيح أمر البداء وتفصيله لاكثر الخلق ينافي حكمة البداء وتعيينه ، إذ هذه الحكمة لا تحصل لهم إلا بجهلهم بأصله ليصير سببا لاتيانهم بالخيرات وتركهم الشرور ، كما أومأنا إليه في باب البداء أو بالعلم بكنه حقيقة ذلك وهذا العلم لا يتيسر لعامة الخلق ، ولذا منعوا الناس عن تعلم علم النجوم والتفكر في مسائل القضاء والقدر ، وهذا بين لمن تأمل فيه ، وأيضا الاحاطة بتفاصيل كيفيات ما ينزل في ليلة القدر وكنه حقيقتها إنما يتأتى بعد الاحاطة بغرائب أحوالهم وشؤنهم وهذا مما تعجز عنه عقول عامة الخلق ولو أحاطوا بشئ من ذلك لطاروا إلى درجة الغلو والارتفاع ولذا كانوا عليهمالسلام يتقون من شيعتهم أكثر من مخالفيهم ويخفون أحوالهم وأسرارهم منهم خوفا من ذلك. ولذا قالوا عليهمالسلام : « إن علمنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان ».
وفي بعض الاخبار : « لا يحتمله ملك مقرب » كما مر وسيأتى.
قوله : لما يزور كذا ينبغي ، وفي أكثر النسخ : « لما يرون » وهو تصحيف ، وكذا فيما سيأتي من قوله : « مما يزور خليفة الله » واللام موطئة للقسم ، والموصول مبتدء « وأكثر »