يطلع عليه أحدا من خلقه فلا يعلم وقت قيام الساعة سواه « وينزل الغيث » فيما يشاء من زمان ومكان ، والصحيح أن معناه ويعلم نزول الغيث في زمانه ومكانه كما جاء في الحديث « أن مفاتيح الغيب خمس لايعلمهن إلا الله » وقرأ هذه الآية و « يعلم ما في الاحام » أذكر أم انثى ، أصحيح أم سقيم ، واحد أم أكثر؟ « وما تدري نفس ماذا تكسب غدا » أي ماذا تعلم في المستقبل ، وقيل : ما تعلم بقآءه غدا فكيف تعلم تصرفه « وما تدري نفس بأي أرض تموت » أي في أي أرض يكون موته.
وقد روي عن أئمة الهدى : أن هذه الاشيآء الخمسة لا يعلمها على التفصيل والتحقيق غيره تعالى.(١)
وقال في قوله « فلا يظهر على غيبه أحدا » ثم استثنى فقال : « إلا من ارتضى من رسول » يعني الرسل فانه يستدل على نبوتهم بأن يخبروا بالغيب ليكون آية ومعجزة لهم ومعناه أن من ارتضاه واختاره للنبوة والرسالة فانه يطلعه على ما شاء من غيبه على حسب ما يراه المصلحة ، وهو قوله : « فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا » والرصد : الطريق أي يجعل له إلى علم ما كان قبله من الانبيآء والسلف وعلم ما يكون بعده طريقا.
وقيل : معناه أنه يحفظ الذي يطلع عليه الرسول فيجعل بين يديه وخلفه رصدا من الملائكة يحفظون الوحي من أن تسترقه الشياطين فتلقيه إلى الكهنة ، وقيل : رصدا من بين يديه ومن خلفه وهم الحفظة من الملائكة يحرسونه عن شر الاعداء وكيدهم ، وقيل : المراد به جبرئيل أي يجعل من بين يديه ومن خلفه رصدا كالحجاب تعظيما لما يتحمله من الرسالة كما جرت عادة الملوك بأن يضموا إلى الرسول جماعة من خواصه تشريفا له.(٢)
١ ـ فس : « إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ».
__________________
(١) مجمع البيان ٤ : ٣٢٤.
(٢) مجمع البيان ٥ : ٣٧٤.