الطبيعة البشرية ، والجبلة الانسانية تنتصر للمظلومين وتنتقم بجهدها من الظالمين فاندفع المسلمون إلى موالاة أهل البيت عليهمالسلام حتى كأنّهم قد دخلوا ـ بعد فاجعة الطف ـ في دور جديد ، وظهرت الروحانية الاسلامية بأجلى مظاهرها ، وسطع نور اهل البيت عليهمالسلام بعد أن كان محجوباً بسحائب ظلم الظالمين ، وانتبه الناس إلى نصوص الكتاب والسنّة فيهم عليهمالسلام ، فهدى الله بها من هدى لدينه ، وضلّ عنها من عمى عن سبيله.
وكان الحسين ـ بأبي وامّي ـ على يقين من ترتّب هذه الآثار الشريفة على قتله ، وانتهاب رحله ، وذبح أطفاله ، وسبي عياله ، بل لم يجد طريقاً لإرشاد الخلق إلى الأئمّة بالحقّ ، واستنقاذ الدين من أئمّة المنافقين ـ الذين خفي مكرهم ، وعلا في نفوس العامّة أمرهم ـ الا الاستسلام لتلك الرزايا ، والصبر على هاتيك البلايا ، وما قصد كربلاء الا لتحمّل ذلك البلاء عهد معهود عن أخيه ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الله عز وجل ، ويرشدك إلى ذلك ـ مضافاً إلى أخبارنا المتواترة من طريق العترة الطاهرة ـ دلائل أقواله ، وقرائن أفعاله ، فانّها نص فيما قلناه ، وحسبك منها جوابه لامّ سلمة إذ قالت له ـ كما في البحار وجلاء العيون وغيرهما ـ : يا بني لا تحزني بخروجك الى العراق فإنّي سمعت جدّك صلىاللهعليهوآله يقول : يقتل ولدى الحسين بأرض يقال لها كربلاء.
فقال لها : يا امّاه وأنا والله أعلم ذلك ، وأنّي مقتول لا محالة ، وليس لي منه بدّ ، وقد شاء الله أن يراني مقتولاً ، ويرى حرمي مشرّدين وأطفالي مذبوحين (١).
وجوابه لأخيه عمر إذ قال له حين امتنع من البيعة ليزيد : حدّثني أخوك أبو
__________________
١ ـ تاريخ الطبري ٥ : ١٨٩ ، دار السلام للنوري ١ : ١٠٢.