فقال له الحر : بلى ، ولكن كتاب الأمير قد وصل يأمرني فيه بالتضييق عليك ، وقد جعل عليَّ عيناً يطالبني بذلك.
فقام الحسين عليهالسلام خطيباً في أصحابه ، فحمد الله وأثنى عليه وذكر جدّه فصلّى عليه ، ثم قال :
إنّه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون ، وانّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها واستمرت هذّاء ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ، فليرغب المؤمن في لقاء ربّه محقّاً ، فانّي لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما.
فقام زهير بن القين فقال : سمعنا يا بن رسول الله مقالتك ، ولو كانت الدنيا لنا باقية ، وكنّا فيها مخلّدين ، لآثرنا النهوض معك على الاقامة.
وقام هلال بن نافع البجلي (١) فقال : والله ما كرهنا لقاء ربّنا ، وإنّا على نيّاتنا وبصائرنا نوالي مَن والاك ونعادي من عاداك.
وقام برير بن خضير (٢) فقال : والله يا بن رسول الله لقد منّ الله بك علينا أن
__________________
١ ـ ظاهراً هو نفسه نافع بن هلال بن نافع بن جمل بن سعد العشيرة بن مذحج المذحجي الجملي ، ويخطئ من يعبّر عنه : البجلي ، كان سيّداً شريفاً شجاعاً قارءاً من حملة الحديث ومن أصحاب أمير المؤمنين ، وحضر معه حروبه الثلاثة في العراق ، وخرج إلى الحسين فلقيه في الطريق ، وأخباره في واقعة الطف كثيرة ، ذكرت في المقاتل.
انظر : إبصار العين : ٨٦ ـ ٨٩ ، تاريخ الطبري ٦ : ٢٥٣ ، البداية والنهاية ٨ : ١٨٤.
٢ ـ وفي بعض المصادر : بدير بن حفير ، وفي الملهوف : برير بن حصين ، والظاهر أنّ خضير هو الأولى.
هو سيد القرّاء ، كان شيخاً تابعياً ناسكاً قارئاً للقرآن ومن شيوخ القراءة في جامع الكوفة ، وهو من أصحاب الحسين الأوفياء. من قبيلة « همدان » ، وله منزلة مرموقة بينهم ، سافر عام ٦٠ للهجرة من الكوفة إلى مكة والتحق بالإمام الحسين وسار معه إلى الكوفة ، وفي يوم التاسع من محرّما كان يمازح