بهم أكثر الناس ، ولما ملكوا من الامّة أزمتها ، واستسلمت لهم برمّتها ، حرموا ( والناس في سنّة عن سوء مقاصدهم ) من حلال الله ما شاؤوا ، وحلّلوا من حرامه ما أرادوا ، وعاثوا في الدين وحكموا فيه القاسطين ، فسمّلوا أعين أولياء الله ، وقطعوا أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وصلبوهم على جذوع النخل ، ونفوهم عن عقر ديارهم حتى تفرقوا أيدي سبأ ، ولعنوا أمير المؤمنين عليهالسلام وكنّوا به عن أخيه الصادق الأمين صلىاللهعليهوآله.
فلو دامت تلك الأحوال ، وهم أولياء السلطة المطلقة ، والرئاسة الروحانية ، لما أبقوا للإسلام عيناً ولا أثراً ، لكن ثار الحسين عليهالسلام فادياً دين الله عز وجل بنفسه وأحبائه حتى وردوا حياض المنايا ، ولسان حاله يقول :
إن كان دين محمد لم يستقم |
|
الا بقتلي يا سيوف خذيني |
فاستنقذ الدين من أيدي الظالمين ، وانكشف الغطاء بوقوع تلك الرزايا عن نفاق القوم حتى تجلّت عداوتهم لله عز وجل ، وظهر انتقامهم من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، إذ لم يكتفوا بقتل الرجال من بنيه عطاشى والماء تعبث فيه خنازير البر وكلابه ، ولم يقنعوا بذبح الأطفال من أشباله أحياء وقد غارت أعينهم من شدّة العطش ، ولا اكتفوا باستئصال العترة الطاهرة ونجوم الأرض من شيبة الحمد حتى وطأوا جثثهم بسنابك الخيل ، وحملوا رؤوسهم على أطراف الأسنة ، وتركوا أشلائهم الموزعة عارية بالعراء ، مباحة لوحوش الأرض وطير السماء ، ثمّ أرزوا ودائع الرسالة وحرائر الوحي مسلبات ، وطافوا البلاد بهنّ سبايا كأنّهنّ من كوافر البربر ، حتى أدخلوهنّ تارة على ابن مرجانة ، واخرى على ابن آكل الأكباد ، وأوقفوهنّ على درج الجامع في دمشق حيث تباع جواري السبي.
فلم تبق بعدها وقفة من عداوتهم لله ، ولا ريبة بنفاقهم في دين الاسلام ،