وعلم حينئذ أهل البحث والتنقيب من اولي الألباب انّ هذه امور دبّرت بليل ، وانّها عن عهد السلف بها إلى خلفه ، وما كانت ارتجالاً من يزيد ـ وما المسبّب لو لم ينجح السبب ـ ثمّ لم تزل أنوار هذه الحقيقة تتجلّى لكلّ من نظر نظراً فلسفياً في فجائع الطفّ وخطوب أهل البيت عليهمالسلام ، أو بَحَث بحث مدقّق عن أساس تلك القوارع ، وأسباب هاتيك الفظائع.
وقد علم أهل التدقيق من اولي البصائر أنّه ما كان لهذا الفاجر أن يرتكب من أهل البيت ما ارتكب ، لولا ما مهده سلفه من هدم سورهم ، واطفاء نورهم ، وحمله الناس على رقابهم ، وفعله الشنيع يوم بابهم. (١)
وتالله لولا ما بذله الحسين عليهالسلام في سبيل إحياء الدين من نفسه الزكية ، ونفوس أحبّائه بتلك الكيفية ، لأمسى الاسلام خبراً من الأخبار السالفة (٢) ،
__________________
١ ـ أقول : أخرج البلاذري في تاريخه قال : لمّا قتل الحسين بن علي بن أبي طالب ، كتب عبد الله بن عمر رسالة إلى يزيد بن معاوية جاء فيها : أمّا بعد ، فقد عظمت الرزية وجلّت المصيبة ، وحدث في الاسلام حدث عظيم ، ولا يوم كيوم قتل الحسين.
فكتب إليه يزيد :
أمّا بعد ، يا أحمق! فإنّا جئنا إلى بيوت مجددة ، وفرش ممهّدة ، ووسائد منضدة ، فقاتلنا عنها! فإن يكن الحق لنا فعن حقّنا قاتلنا ، وإن كان الحقّ لغيرنا فأبوك أوّل من سنّ هذا واستأثر بالحقّ على أهله.
٢ ـ قال رحمهالله : كما شهد به العظماء من فلاسفة الغرب ، وإليك ما ذكره الميسو ماربين الألماني في كتابه « السياسة الإسلامية » بعين لفظ المعرّب قال من جملة كلام طويل : لا يشكّ صاحب الوجدان إذا دقّق النظر في أوضاع ذلك العصر وكيفية نجاح بني اميّة في مقاصدهم واستيلائهم على جميع طبقات الناس وتزلزل المسلمين انّ الحسين قد أحيا بقتله دين جده وقوانين الاسلام وان لم تقع تلك الواقعة ولم تظهر تلك الحسيّات الصادقة بين المسلمين لأجل قتل الحسين ، ولم يكن الاسلام على ما هو عليه الآن قطعاً بل كان من الممكن ضياع رسومه وقوانين حيث كان يومئذ حديث العهد ، عزم الحسين انجاح هذا المقصد واعلان