.............................................................
__________________
الثورة ضد بني اميّة من يوم توفي والده ، فلما قام يزيد مقام معاوية خرج الحسين من المدينة وكان يظهر مقصده العالي ويبثّ روح الثورة في المراكز المهمة الاسلامية كمكّة والعراق واينما حلّ فازداد ـ نفرة قلوب المسلمين التي هي مقدّمة الثورة من بني أميّة ، ولم يكن يجهل يزيد مقاصد الحسين وكان يعلم انّ الثورة إذا اُعلنت في جهة والحسين قائدها مع تنفّر المسلمين عموماً من جومة بني اميّة وميل القلوب وتوجه الأنظار إلى الحسين عمّت جميع البلاد وفي ذلك زوال ملكهم وسلطانهم فعزم يزيد قبل كلّ شيء من يوم بويع على قتل الحسين.
ولقد كان هذا العزم أعظم خطا سياسي صدر من بني اميّة الذي جعلهم نسياً منسياً ولم يبق منهم أثر ولا خبر.
وأعظم دلالة على انّ الحسين أقدم على قتل نفسه ، ولم تكن في نظره سلطنة ولا رئاسة هو : أنّه مضافاً إلى ما كان عليه من العلم والسياسة والتجربة التي وقف عليه زمن أبيه وأخيه في قتال بني اميّة كان يعلم أنّه مع عدم تهيئة الأسباب له واقتدار يزيد لا يمكنه المقاومة والغلبة ، وكان يقول : من يوم توفي والده انّه يقتل ، وأعلن يوم خروجه من المدينة انّه يمضي إلى القتل وأظهر ذلك لأصحابه والذي اتّبعوه من باب اتمام الحجّة حتى يتفرّق الذين التفّوا حوله طمعاً بالدنيا ، وطالما كان يقول : « خير لي مصرع أنا ملاقيه » ، ولو لم يكن قصده ذلك ولم يكن عالما عامداً لجمع الجنود ولسعى في تكثير أصحابه وزيادة استعداده لا أن يفرق الذين كانوا معه ، ولكن لما لم يكن له قصد الا القتل مقدّمة لذلك المقصد العالي واعلان الثورة المقدّسة ضد يزيد رأى انّ خير الوسائل إلى ذلك الوحدة والمظلومية فان أثّر هكذا مصائب أشد وأكثر في القلوب.
من الظاهر انّ الحسين مع ما كانت له من المحبوبية في قلوب المسلمين في ذلك الزمان لو كان يطلب قوّة واستعداداً لأمكنه أن يخرج إلى حرب يزيد جيشاً جرّاراً ، ولكنّه لو وضع ذلك لكان قتله في سبيل طلب السلطنة والامارة ، ولم يفز بالمظلوميّة التي انتجت تلك الثورة والعظيمة ، هذا هو الذي سبب أن لا يبقى معه أحداً ، الا الذين لا يمكن انفكاكهم عنه ، كأولاده وأخوانه وبني أخوته وبني أعمامه وجماعة من خواص أصحابه ، حتى انّه أمر هؤلاء أيضاً بمفارقته ، ولكنّهم أبو عليه ذلك ، وهؤلاء أيضاً كانوا من المعروفين بين المسلمين بجلالة القدر ، وعظيم المنزلة ، وقتلهم معه ممّا يزيد في عظم المصيبة وأثر الواقعة.