أيضا يقع المورد المستثنى امتثالا في بعض الأحوال ، كما في صورة الغفلة عن النهي أو نسيانه أو الجهل به جهلا يعذر فيه ، كما ثبت ذلك في مثل الصلاة في المكان المغصوب ، حيث إنّهم حكموا بصحّتها في الأحوال المذكورة ـ كما مرّت الإشارة إليه في ثمرات تلك المسألة ـ ولم يحكموا بها في شيء من المثالين المذكورين ، فإن كان المانع من الصحّة فيهما هو وجود النهي الواقعي الثانوي في تلك الأحوال ، فهو بعينه موجود في الصلاة في المكان المغصوب في الأحوال المذكورة ، وإن كان هو فعليّة النهي فمن المعلوم انتفاؤه في الكلّ في تلك الأحوال.
وكيف كان ، فلا يرى بين الأمثلة الثلاثة فرق أصلا ، فلم يبق وجه لاختلاف حكم بعضها مع بعض.
هذا ، مع أنّ هنا إشكالا آخر : وهو أنّ الثاني من المثالين من أفراد محلّ النزاع في تلك المسألة ، لكون متعلّقي الأمر والنهي فيه طبيعتين بينهما عموم من وجه ، كما في قوله : ( صلّ ، ولا تغصب ) مع أنّهم لم يختلفوا في ثبوت التنافي بين الأمر والنهي في ذلك المثال ، بل اتّفقوا على التنافي بينهما من غير بنائهم التنافي على امتناع اجتماع الأمر والنهي ، واختلفوا في ثبوت التنافي في مثل ( صلّ ، ولا تغصب ) ، وبنوه على تلك المسألة.
هذا مجمل تقرير الإشكالين.
والجواب عن الأوّل منهما : أنّه فرق واضح بين قوله ( أكرم العلماء ، ولا تكرم الفساق ) وبين قوله ( صلّ ولا تغصب ) ، حيث إنّ الأمر والنهي في الأوّل ، واردان على خصوص كلّ واحد من الأفراد ، لكون متعلّقهما من العمومات الاستغراقيّة ، والفرد الّذي هو مورد الاجتماع للعامّين ورد (١) النهي عنه ، فيكون المنهيّ عنه ذاته من غير اعتبار جهة فيه أصلا ، بمعنى أنّ المنهيّ عنه إنّما هو تمام
__________________
(١) في الأصل : ورود ..