ومقتضى أصالة البراءة في الأوّل منهما هو جواز الارتكاب لمكان الجهل بحرمته واقعا ، كما أنّ مقتضى أصالة الشغل في الثاني هو الفساد ، إلاّ أنّ لازم حكمهم بصحّة عبادة ناسي الغصبية هو الصحّة في المقام أيضا لاتّحاد المناط فيهما ، فإنّ النهي الواقع بمجرّده غير مانع من الصحّة ، وإلاّ لبطلت صلاة ناسي الغصبيّة ، وخصوص نسيان موضوع الحرام ـ وهو الغصب ـ لا مدخل [ له في ] الحكم بالصحّة قطعا ، بل إنّما هو من باب كونه أحد أفراد العذر ، وهو متحقّق في المقام ، إذ الجهل بالحرمة أيضا عذر للجاهل ، إذ مفروض الكلام في الجهل الّذي يعذر معه الجاهل.
وبالجملة : لا بدّ لمن قال بالصحّة هناك من الالتزام بها هنا ، وكلّما نوجّهها به هناك فلنوجّهها به هنا ، فلا يفيد الكلام في توجيه الصحّة من أنّها لوجود الأمر الفعليّ أو لكفاية الجهة.
ثمّ إنّ ممّا قرّرنا من بيان مقتضى الأصل على تقدير البناء على امتناع الاجتماع ظهر الحال في مقتضاه على تقدير الشكّ في امتناع الاجتماع بالنسبة إلى المقامين أيضا.
هذا خلاصة الكلام في المقدّمات ، فإذن نخوض في أصل المسألة وتحقيق الحقّ فيها بعون الملك العلاّم ، فنقول :
المعروف من أصحابنا إنّما هو امتناع اجتماع الأمر والنهي عقلا ، وعليه بعض مخالفينا أيضا على ما حكي عنه ، كما أنّ جمهور مخالفينا على جواز الاجتماع كذلك ، وعليه بعض أصحابنا المتأخّرين أيضا ، وقد نسب إلى بعض جواز الاجتماع عقلا وامتناعه عرفا كما ذكرناه سابقا ، والأقوى هو الجواز مطلقا.
والّذي احتجّ به لمجوّزي الاجتماع ـ أو يمكن أن يحتجّ به ـ وجوه :
أحدها الّذي هو أقواها : أنّا لا نرى من العقل مانعا منه عدا ما تخيله المانعون منه من استلزامه لاجتماع الضدّين في شيء واحد ، لكن ذلك التخيّل