فإني أرى رجلا مقبلا لايحكم شططا أبدا (١) ، فقال له : أنت وذاك ، فتلقى شرحبيل رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك ، قال : وماهو؟ قال : احكمك (٢) اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح ، فمهما حكمت فينا فهو جائز ، فرجع رسول الله صلىاللهعليهوآله ولم يلاعنهم وصالحهم على الجزية.
وأخرج أبونعيم في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن وفد نجران من النصاري قدموا على رسول الله وهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم ، منهم السيد وهو الكبير ، والعاقب وهو الذي يكون بعده صاحب رأيهم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أسلما قالا : أسلمنا ، قال : ما أسلمتما ، قالا : بلى قد أسلمنا قبلك ، قال : كذبتما يمنعكما من الاسلام ثلاث فيكما : عبادتكما الصليب ، وأكلكما الخنزير ، وزعمكما أن لله ولدا ، فنزل « إن مثل عيسى » الآية ، فلما قرأها عليهم قالوا : ما نعرف ما تقول ، فنزل « فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم » يقول : من جادلك في أمر عيسى من بعده ماجاءك من القرآن « فقل تعالوا » إلى قوله : « ثم نبتهل » يقول : نجتهد في الدعاء أن الذي جاء به محمد هو الحق وأن الذي يقولون هو الباطل ، فقال لهم : إن الله قد أمرني إن لم تقبلوا هذا أن اباهلكم ، فقالوا : يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك فخلا بعضهم ببعض ليصادقوا (٣) ، فيما بينهم : قال السيد للعاقب : قد والله علمتم أن الرجل نبي ، فلو لا عنتموه لاستؤصلتم (٤) ، وما لاعن قوم قط نبيا فعاش كبيرهم ونبت صغيرهم (٥) ، فإن أنتم لم تتبعوه وأبيتم إلا إلف دينكم فوا دعوه وارجعوا إلى بلادكم ، وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآله خرج و معه علي والحسن والحسين وفاطمه عليهمالسلام فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إن أنا دعوت فأمنوا أنتم ، فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية.
____________________
(١) في المصدر : رجلا لا يحكم شططا أبدا. والشطط : التباعد عن الحق.
(٢) في المصدر : حكمك.
(٣) في المصدر : وتصادقوا.
(٤) في المصدر : نبى مرسل ولئن لا عنتموه انه ليستأ صلكم.
(٥) في المصدر : فبقى كبيرهم ولانبت صغيرهم.