وقيل : إن معنى « مع » ههنا معنى « من » انتهى (١).
أقول : الصادق هو من لا يكذب في قوله ولا فعله ، والصدق في قراءة سورة الحمد فقط يوجب العصمة ، لانه يقول في كل يوم عشر مرات وأكثر : « إياك نعبد » وقدسمى الله طاعة الشيطان عبادة في مواضع (٢) ، وكل معصية طاعة للشيطان (٣) ، وقس على ذلك قوله : « وإياك نستعين » وسائر ما يقول الانسان ويدعيه من الايمان بالله واليوم الآخر ، وحب الله تعالى والاخلاص له ، والتوكل عليه وغير ذلك ، وأخبار الخاصة و العامة مشحونة بذلك ، فظهر أن الصادق حقيقة هو المعصوم ، وسيأتي تحقيق ذلك في كتاب مكارم الاخلاق ، وأيضا قد ثبت بمامر في كتاب الامامة في بأب أنهم عليهمالسلام صادقون وفي هذا الباب من أخبار الفريقين أنهم المراد بالصادقين في الآية ، ولا ريب في أن المراد بالكون معهم الاقتداء بهم وطاعتهم ومتابعتهم إذ ظاهر أن ليس المراد محض الكون معهم بالجسم والبدن ، فيدل على إمامتهم ، إذلا يجب متابعة غير الامام في كل ما يقول وبفعل بإجماع الامة.
وقال أبوالصلاح الحلبي في كتاب تقريب المعارف بعد ذكر الآية : فأمر باتباع المذكورين ، ولم يخص جهة الكون بشئ دون شئ ، فيجب اتباعهم في كل شئ ، و ذلك يقتضي عصمتهم ، لقبح الامر بطاعة الفاسق أو من يجوز منه الفسق ، ولا أحذ ثبتت له العصمة ولا ادعيت فيه غيرهم عليهمالسلام ، فيجب القطع على إمامتهم واختصاصهم بالصفة الواجبة للامامة (٤) ، ولانه لا أحد فرق بين دعوى العصمة لهم والامامة ، انتهى. وأما قوله تعالى : « رجال صدقوا » فقد روى الطبرسي رحمهالله عن أبي القاسم الحسكاني بالاسناد عن عمرو بن ثابت ، عن أبي إسحاق ، عن علي عليهالسلام قال : فينا نزلت
____________________
(١) مجمع البيان ٥ : ٨١.
(٢) منها قوله تعالى : « ألم أعبد إليكم يا بنى آدم أن لا تعبدوا الشيطان » ص ٦٠. وقوله ( يا أبت لا تعبد الشيطان ) مريم : ٤٤.
(٣) فيقرر كذلك : المعصية طاعة للشيطان ، وطاعته عبادته ، فالمعصية عبادته.
(٤) وهى العصمة.