مكة (١) ، فأتيت مكة وأهلها من قد عرفتم ليس منهم أحد إلا ولو قدر أن يضع على كل جبل مني إربا لفعل ، ولو أن يبذل في ذلك نفسه وأهله وولده وماله ، فبلغتهم رسالة النبي صلىاللهعليهوآله وقرأت عليهم كتابه ، فكلهم يلقاني بالتهدد والوعيد ، ويبدي إلي البغضاء (٢) ، و يظهر الشحناء من رجالهم ونسائهم ، فكان مني في ذلك ما قدرأيتم ، ثم التفت عليهالسلام إلى أصحابه فقال : أليس كذلك؟ قالوا : بلى يا أميرالمؤمنين.
فقال عليهالسلام يا أخا اليهود هذه المواطن التي امتحنني فيهن ربي عزوجل مع نبيه صلىاللهعليهوآله فوجدني فيها كلها بمنه مطيعا ليس لاحد فيها مثل الذي لي ، ولو شئت لو صفت ذلك ، ولكن الله عزوجل نهى عن التزكية ، فقالوا : يا أميرالمؤمنين صدقت والله لقد أعطاك الله عزوجل الفضيلة بالقرابة من نبينا ، وأسعدك بأن جعلك أخاه : تنزل منه بمنزلة هارون من موسى ، وفضلك بالمواقف التي باشرتها والاحوال التي ركبتها ، و ذخر لك الذي ذكرت وأكثر منه مما لم تذكره ومما ليس لاحد من المسلمين مثله ، يقول ذلك من شهدك منا مع نبينا ومن شهدك بعده ، فأخبرنا يا أميرالمؤمنين ما امتحنك الله عزوجل به بعد نبينا فاحتملته وصبرت عليه ، فلو شئنا أن نصف ذلك لوصفناه علما منابه وظهورا منا عليه ، إلا أنا نحب أن نسمع منك ذلك كما سمعنا منك ما امتحنك الله به في حياته فأطعته فيه.
فقال عليهالسلام : يا أخا اليهود إن الله عزوجل امتحنني بعد وفاة نبيه صلىاللهعليهوآله في سبعة مواطن فوجدني فيهن من غير تزكية لنفسي بمنه ونعمته صبورا ، أما أولهن يا أخا اليهود فإنه لم يكن لي خاصة دون المسلمين عامة أحد آنس به أو أعتمد عليه أو أستنيم إليه أو أتقرب به غير رسول الله ، هو رباني صغيرا وبوأني كبيرا ، وكفاني العيلة وجبرني من اليتم ، وأغناني عن الطلب ووقاني المكسب ، وعال لي النفس والوالد والاهل ، هذا في تصاريف أمر الدنيا ، مع ما خصني به من الدرجات التي قادتني إلى معالي الحظوة (٣)
____________________
(١) في المصدر : إلى أهل مكة.
(٢) في المصدر و (د) : ويبدى لى البغضاء.
(٣) في المصدر : إلى ممالى الحق.