أتاني الباقون من الستة من يومهم كل راجع عما كان ركب مني! يسألني خلع ابن عفان والوثوب عليه وأخذ حقي ، ويؤتيني صفقته وبيعته على الموت تحت رايتي أو يرد الله عزوجل علي حقي ، فوالله يا أخا اليهود ما منعني إلا الذي منعي من اختيها قبلها ورأيت الابقاء على من بقي من الطائفة أبهج لي وآنس لقلبي من فنائها ، وعلمت أني إن حملتها على دعوة الموت ركبته ، فأما نفسي فقد علم من حضر ممن ترى ومن غاب من أصحاب محمد صلىاللهعليهوآله أن الموت عندي بمنزلة الشربة الباردة في اليوم الشديد الحر من ذي العطش الصدى ، ولقد كنت عاهدت الله عزوجل ورسوله أنا وعمي حمزة وأخي جعفر وابن عمي عبيدة على أمر وفينا به لله عزوجل ولرسوله ، فتقدمني أصحابي وتخلفت بعدهم لما أراد الله عزوجل ، فأنزل الله فينا « من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا (١) » حمزة وجعفر وعبيدة ، وأنا والله المنتظر يا أخا اليهود وما بدلت تبديلا. وما سكتني عن ابن عفان وحثني على الامساك إلا أني عرفت من أخلاقه فيما اختبرت منه بما لن يدعه حتى يستدعي الاباعد إلى قتله وخلعه فضلا عن الاقارب ، وأنا في عزلة ، فصبرت حتى كان ذلك (٢) ، لم أنطق فيه بحرف من « لا » ولا « نعم » ثم أتاني القوم وأنا علم الله كاره لمعرفتي بما تطاعموا به من اعتقاله الاموال والمرح في الارض (٣) ، وعلمهم بأن تلك ليست لهم عندي ، وشديد عادة منتزعة فلما لم يجدوا عندي تعللوا الاعاليل ، ثم التفت عليهالسلام إلى أصحابه فقال : أليس كذلك؟ فقالوا : بلى يا أميرالمؤمنين.
فقال عليهالسلام : وأما الخامسة يا أخا اليهود فإن المتابعين لي لما لم يطمعوا في تلك (٤) مني وثبوا بالمرأة علي وأنا ولي أمرها والوصي عليها ، فحملوها على الجمل وشدوها على الرحال ، وأقبلوا بها تخبط الفيافي وتقطع البراري ، وتنبح عليها كلاب الحوأب (٥)
____________________
(١) سورة الاحزاب : ٢٣.
(٢) أى حتى قتله الاباعد.
(٣) سيأتى معنى الجملة في البيان ، والمرح : الفرح والنشاط الوافر ، والتبختر.
(٤) أى في اعتقال الاموال والمرح في الارض.
(٥) قال في المراصد (١ : ٤٣٣) : الحوأب بالفتح ثم السكون وهمزة مفتوحة موضع في طريق البصرة.