الانبياء « وما اريد أن اخالفكم إلى ما أنهاكم عنه (١) » فكيف يأمر نبينا صلىاللهعليهوآله بالوصية ولو في الشئ اليسير ويتركها هو في الامر الكبير والجم الغفير؟ لا سيما وقدرووا أن الله تعالى عرفه ما يحدث في امته من الاختلاف العظيم ، وسيأتي أخبارهم ببعض ذلك في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ، ما هكذا تقتضي صفات السياسة المرضية وعموم الرحمة الالهية وثبوت الشفقة المحمدية ، وكيف يصدق عاقل أو جاهل أن محمدا صلىاللهعليهوآله يترك الامة بأسرها كبيرها وصغيرها غنيها وفقيرها عالمها وجاهلها في ظلمة الحيرة والاختلاف والاهمال والضلال؟ لقد أعاذه الله من هذه الحال ، ولقد نسبوه إلى غير صفاته الشريفة ، وما عرفوا أو عرفوا وجحدوا حقوق ذاته المعظمة المنيفة.
ومن الحوادث التي حدثت بطريق ذلك القول وبطريق يلزم الاربعة المذاهب في الامامة بالاختيار من بعض الامة أن الناس لما أرادوا دفع بني هاشم عن حقوقهم ومقام نبيهم وإطراح وصايا النبي صلىاللهعليهوآله بهم ، تعصب قوم لآل حرب وبني امية ، واختاروا منهم خلفاء وبايعوهم ، وتأسوا في ذلك على من جعل الخلافة بالاختيار ، فكان ذلك أيضا سبب وصول الخلافة إلى معاوية الذي قاتل خليفة المسلمين ووصي رسول رب العالمين ، وقاتل وجوه بني هاشم والصحابة والتابعين ، وفعل ما فعل ، وكان ذلك أيضا سبب وصول الخلافة إلى يزيد بن معاوية الذي قتل في أول خلافته الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله ولد رسول الله وأحد سيدي شباب أهل الجنة ، وقد تقدم في رواياتهم من كتبهم الصحاح بعض ما أثبتوه من وصايا النبي صلىاللهعليهوآله فيه وفي أخيه وأبيه وتعظيم الله لهم ودلالته عليهم ما لا حاجة إلى تكراره ، وبلغ يزيد بن معاوية إلى منع الحسين عليهالسلام وحرمه على يد عمر بن سعد من شرب ماء الفرات وقتل خواصه وجماعة من أهل بيته ، ثم قتله عليهالسلام بعده ونهب رحاله وسلب عياله وحمل رأسه على رماح أهل الاسلام ، وسير حرم رسول الله من العراق إلى الشام على الاقتاب (٢) مكشوفات الوجوه (٣) بين الاعداء وبين أهل الارتياب ، وأتبع يزيد ذلك بنهب مدينة الرسول صلىاللهعليهوآله فقد رووا في صحاحهم
____________________
(١) سورة هود : ٨٨.
(٢) القتب : الرحل.
(٣) في المصدر : مكشفات الوجوه.