فآمن به وصدقه ، وهذا بعد أن ميزبين الامانة وغيرها وعرف حقها ، وكره أن يفشي سر الرسول صلىاللهعليهوآله وقد ائتمنه عليه ، وهذا لايقع باتفاق من صبي لا عقل له ولا يحصل ممن لا تمييز معه.
ويؤيد أيضا ما ذكرناه أن النبي صلىاللهعليهوآله بدأبه في الدعوة قبل الذكور كلهم ، و إنما أرسله الله تعالى إلى المكلفين ، فلو لم يعلم أنه عاقل مكلف لما افتتح به أداء رسالته وقدمه في الدعوة على جميع من بعث إليه ، لانه لو كان الامر على ما ادعته الناصبة لكان صلىاللهعليهوآله قد عدل عن الاولى ، وتشاغل بمالم يكلفه عن أداء ما كلفه ، ووضع فعله في غير موضعه ، ورسول الله صلىاللهعليهوآله يجل عن ذلك وشئ آخر وهو أنه صلىاللهعليهوآله دعا عليا عليهالسلام في حاله كان مستتر فيها بدينه (١) كانما لامره خائفا إن شاع من عدوه ، فلا يخلو أن يكون قد كان واثقا من أميرالمؤمنين عليهالسلام بكتم سره وحفظ وصيته وامتثال أمره وحمله من الدين ما حمله أو لم يكن واثقا بذلك ، فإن كان واثقا فلم يثق به إلا وهو في نهاية كمال العقل وعلى غاية الامانة وصلاح السريرة والعصمة والحكمة وحسن التدبير ، لان الثقة بما وصفنا دليل جميع ما شرحناه على الحال التي قدمنا وصفها (٢) ، وإن كان غير واثق من أميرالمؤمنين عليهالسلام بحفظ سره وغيره آمن من تضييعه وإذاعة أمره فوضعه عنده من التفريط (٣) وضد الحزم والحكمة والتدبير ، حاشى الرسول من ذلك ومن كل صفة نقص ، وقد أعلى الله عزوجل رتبته وأكذب مقال من ادعى ذلك فيه ، وإذا كان الامر على ما بيناه فما ترى الناصبة فصدت بالطعن في إيمان أميرالمؤمنين عليهالسلام إلا عيب الرسول والذم لافعاله ووصفه بالعبث والتفريط ووضع الاشياء غير مواضعها ، والازراء عليه (٤) في تدبيراته ، وما أراد مشائخ القوم ومن ألقى هذا المذهب إليهم إلا ما ذكرناه « والله متم نوره ولو كره الكافرون » (٥).
____________________
(١) في المصدر : مستسرا فيها بدينه.
(٢) في المصدر : قدمنا شرحها.
(٣) في المصدر : من أعظم الجهل والتفريط.
(٤) أزرى عليه عمله : عاتبه أو عابه عليه.
(٥) الفصول المختارة : ٥١ ٧٢.