خبز شعير يابسا مرصوصا ، فقدم فأكل ، فقلت : يا أمير المؤمنين فكيف تختمه؟ قال : خفت هذين الولدين أن يلتاه بسمن أو زيت ، وكان ثوبه مرقوعا بجلد تارة وبليف اخرى ، ونعلاه من ليف ، وكان يلبس الكرابيس الغليظ فإذا وجد كمه طويلا قطعه بشفرة فلم يخطه ، فكان لا يزال متساقطا على ذراعيه حتى يبقى سدى لا لحمة له (١) ، وكان يأتدم إذا ائتدم بخل أو بملح ، فإن ترقى عن ذلك فببعض نبات الارض ، فإن ارتفع عن ذلك فبقليل من ألبان الابل ، ولا يأكل اللحم إلا قليلا ويقول : لا تجعلوا قلوبكم (٢) مقابر الحيوان ، وكان مع ذلك أشد الناس قوة (٣) وأعظمهم أيدا ، لم ينقص الجوع قوته ولا يخور الاقلال منته (٤) وهو الذي طلق الدنيا وكانت الاموال تجبى إليه من جميع بلاد الاسلام إلا من الشام و كان يفرقها ويمزقها ثم يقول :
هذا جناي وخياره فيه |
|
إذ كل جان يده إلى فيه |
وأما العبادة فكان أعبد الناس وأكثرهم صلاة وصوما ، ومنه تعلم الناس صلاة الليل وملازمة الاوراد وقيام النافلة ، وما ظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له قطع (٥) ما بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ورده والسهام تقع بين يديه تمر على صماخيه يمينا وشمالا فلا يرتاع لذلك ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته ، وما ظنك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده ، وأنت إذا تأملت دعواته ومناجاته ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وإجلاله وما
____________________
(١) السدى من الثوب ما مد من خيوطه ، واللحمة ما نسج عرضا.
(٢) في المصدر : بطونكم.
(٣) في المصدر : قسوة.
(٤) خار خؤورا وخور خورا : فتر وضعف. والمنة ـ بالضم ـ القوة. أى لا يفتره ولا يضعفه قلة اكل الطعام كما أشار إليه عليهالسلام في كتابه إلى عثمان بن حنيف. وفي نسخ الكتاب « لا يحزن » وهو سهو.
(٥) كذا في النسخ ، والقطع : البساط والطنفسة تكون تحت الراكب : أو ضرب من الثياب الموشاة. وفي المصدر : نطع.