الاستطاعة فيما بعد.
وهكذا الحال فيما لو قلنا بأن سببية الاستطاعة لذلك الوجوب سببية تكوينية ، وأن الاستطاعة علة تكوينية لوجوب الحج ، فانه أيضا لا يعقل أن يكون ذلك الوجوب المعلول تكوينا للاستطاعة مطلقا من ناحية الاستطاعة.
وبالجملة : أن هذه الدعاوي ـ أعني دعوى عدم رجوع الشرط إلى الموضوع ، أو دعوى كون « مثل حج إن استطعت » من قبيل الإخبار عن أنه يوجب عليه الحج بعد تحقق الاستطاعة ، أو دعوى كون الاستطاعة علة تكوينية لوجوب الحج ـ وإن كانت كلها دعاوي فاسدة ، إلاّ أنا لو التزمنا بأحدها لم يكن شيء منها مصححا لكون ذلك الوجوب مطلقا من ناحية الاستطاعة ، على وجه يكون الحج واجبا على ذلك المكلف سواء تحققت له الاستطاعة أو لم تتحقق له. نعم إن عدم الانقلاب بناء على ما أفاده شيخنا من كونه من القضايا الحقيقية ورجوع الشرط إلى الموضوع أوضح منه بناء على إحدى هذه الدعاوي الفاسدة.
قوله : ولا يبعد أن يكون ذلك من جهة خلط موضوع الحكم بداعي الجعل وعلّة التشريع ، بتوهّم أنّ الشرط خارج عن الموضوع وهو من قبيل الداعي لجعل الحكم على موضوعه ... الخ (١).
لا يخفى أنّا لو سلّمنا عدم رجوع الشرط إلى موضوع الحكم فلا يلزمنا الالتزام بكونه من قبيل داعي الجعل ، بل لنا أن نقول إنّه خارج عن باب الدواعي أيضا ، بأن نقول إنّه ـ أعني باب الشرط ـ باب مستقل خارج عن باب الدواعي كما هو خارج عن باب الموضوع.
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٥٨ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].