قوله : وقد بيّنا في ذلك المبحث أنّ هذا إنّما يتم بناء على أن يكون الأحكام المجعولة في الشريعة من قبيل الإخبار عن إنشاءات عديدة لكل مكلّف عند تحقّق شرطه ... إلخ (١).
بيان ذلك : أنّه بعد البناء على أنّ شرط التكليف من قبيل الداعي لجعل الحكم يكون ذلك الشرط بوجوده العلمي مؤثرا في الجعل ، فيكون له المدخلية في الجعل لا في المجعول ، وإذا كان له المدخلية في الجعل كان محصّل قوله « حجّ إن استطعت » أنّك إن استطعت أجعل عليك وجوب الحج ، فقبل تحقّق الاستطاعة لا جعل ولا مجعول ، وإنّما يكون الجعل عند الاستطاعة ، ويكون حاصل قوله « حج إن استطعت » هو الإخبار عن أنّه يجعل عليه وجوب الحج بعد تحقّق الاستطاعة ، وهذا هو أحد اللوازم الباطلة المترتبة على كون الشرط من قبيل داعي جعل الحكم ليكون علّة مؤثّرة في ذلك الجعل.
وهناك لازم باطل آخر ، وهو كون مدخلية ذلك الشرط في الجعل وتأثيره فيه مدخلية واقعية لم تكن بجعل من الشارع لا ابتداء ولا انتزاعا ، بحيث إنّ ذلك الشرط يكون علّة في جعل الشارع الوجوب وفي تشريعه ذلك الوجوب ، ومن الواضح أنّ ما هو علّة في أصل تشريع الحكم وجعله لا يعقل أن يكون بجعل وتشريع من قبل الشارع ، بل لا بدّ أن تكون مدخليته في جعل ذلك الحكم وتشريعه مدخلية واقعية ، فيكون علّة تكوينية لذلك الجعل والتشريع ، غايته أنّها تكون علّة بوجودها العلمي لا بوجودها الواقعي ، لكونها على الفرض من قبيل الدواعي.
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٥٨ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].