المقدمة الثانية راجعة إلى شرح حقيقة التحريم ، وسيأتي في محله (١) إن شاء الله تعالى أنه عبارة عن المنع عن الشيء والزجر والردع عنه الناشئ عن مفسدة في ذلك الشيء ، سواء كان ذلك الشيء المشتمل على المفسدة هو الفعل أو كان هو الترك ، بخلاف الوجوب فانه طلب الشيء الناشئ عن صلاح فيه ، سواء كان ذلك الشيء فعلا أو كان تركا.
وقيل : إن النهي والتحريم من مقولة الطلب كالوجوب ، غير أن الطلب في باب الوجوب متعلق بالفعل وفي باب النهي متعلق بالترك. نعم على هذا القول يمكن أن يقال : إن الطلب المتعلق بالترك إن كان ناشئا عن صلاح في الترك كان من قبيل إيجاب الترك ، وإن كان ناشئا عن مفسدة في الفعل كان من قبيل التحريم.
وبعد هاتين المقدمتين نقول : إنه لو قلنا بأن الأمر الوجوبي مركب من طلب الفعل مع المنع من الترك ، كان الأمر بالشيء مقتضيا للنهي عن ضده العام بمعنى الردع عن الترك على نحو التضمن ، لكن قد عرفت بساطة الأمر الوجوبي وأنه غير مركب من طلب الفعل مع المنع من الترك ، أما لو أخذنا النهي بمعنى طلب الترك فلا وجه لكون الأمر بالشيء مقتضيا للنهي عن تركه أعني طلب تركه بالتضمن حتى لو قلنا بأنّ الأمر الوجوبي مركب من طلب الفعل مع المنع من الترك ، اذ لا دخل للمنع من الترك بطلب الترك.
وكيف كان ، فنحن بعد أن قلنا ببساطة الأمر الوجوبي لا يبقى وجه لدعوى كون الأمر بالشيء مقتضيا للنهي عن ضده العام بمعنى الترك بالتضمن.
__________________
(١) لاحظ المجلّد الرابع من هذا الكتاب ، الصفحة : ٣ ـ ٤.