الحجة وما يرد عليها.
وهناك حجّة اخرى على ما ذكروا من التقدير فاتنا التنبيه عليها والجواب عنها في ذلك المقام ، وهي أنّ الانبعاث عن البعث يحتاج إلى العلم به ، وانبعاث الإرادة عن ذلك العلم بتصوّره وتصور ما يترتب على فعله وتركه من الثواب والعقاب ، وذلك محتاج إلى مقدار من الزمان يتخلل بين البعث والامتثال ، فلو كان البعث مقارنا لزمان الامتثال كما في المضيقات لم يكن لنا محيص عن الالتزام بتقدير البعث قبل زمان الامتثال بمقدار ما يتوقف عليه من العلم بالبعث والإرادة المتعلّقة بامتثاله. وإلى ذلك أشار في الكفاية (١) عند التعرض للشبهة الواردة على الواجب المعلّق بما حاصله : أنّ الأمر لا بدّ أن يكون باعثا على المتأخر ، ويستحيل أن يكون باعثا إلى المقارن.
والجواب عن هذه الحجة بعد اصلاحها بأنّه ليس المراد كون المأمور به مقيدا بالتأخر ، وأنّ المراد هو أنّ زمان متعلّقه لا بدّ أن يكون متأخرا قهرا عن زمانه ، أنّ هذه الحجة لا تتأتى في الأوامر التي تكون على نحو القضايا الحقيقية ، لما تقدم من كفاية تقدم العلم بالخطاب قبل حصول شرطه في الانبعاث عنه عند توجهه ، من دون حاجة إلى علم ثان يكون متخللا بين توجهه وامتثاله. أمّا القضايا الخارجية فان كان الواجب فيها موسعا لم تكن محتاجة إلى ما ذكر من التقدير ، وإن كان مضيقا كان على المولى أن ينشئ الوجوب قبل الوقت ليعلم به المكلّف ويتمكن من امتثاله في وقته ، فان لم يقدّم ذلك الوجوب كان المولى مفوّتا لغرضه.
__________________
(١) كفاية الأصول : ١٠٣.