قلت : وحينئذ تنقلب القضية حقيقية لأخذ التقدير الآتي فيها. ولا يخفى أنّ لزوم هذا التقديم متأت في الموسع بناء على ما أفاده (١) من أنّه يجوز أن يكون امتثاله في أوّل أزمنة الإمكان كالمضيق. وقد عرفت أنّ الموجب لتأخر الامتثال زمانا عن نفس التكليف ربما يقرر بوجه آخر مبني على كون نفس التكليف محتاجا إلى زمان يشغله ، ويستحيل أن يكون الفعل المفروض كونه امتثالا له واقعا معه في زمانه على وجه يكون نفس الفعل امتثالا للأمر في أثناء زمان إنشاء الأمر وجعله قبل إتمام جعله وإنشائه ، ولأجل ذلك التزموا بالتقدير. ولعلّ ما التزموا من التقدير هو عين هذا الذي أفاده شيخنا قدسسره من أنّه في هذه الصورة يكون اللازم على الآمر تقديم إنشائه الوجوب ، فينشئه مشروطا بالزمان الآتي ، فلاحظ وتأمل.
والحاصل : أنّ جعل التكليف المشروط بطلوع الفجر وتشريعه سابق على طلوع الفجر ، فانّ المجعول إنّما هو الوجوب على تقدير طلوع الفجر ، وهذا أعني جعل الوجوب وتشريعه على تقدير طلوع الفجر لو قلنا بأنّه زماني يحتاج في وقوعه إلى زمان يقع فيه ، فانّما هو فيما قبل الفجر ، وبعد جعل ذلك الحكم المشروط لا يكون في فعليته وتحقّقه بتحقّق موضوعه وشرطه محتاجا إلى زمان ما ، بل ينوجد ذلك الوجوب ويتحقّق بوجود شرطه ، ويكون تحقّق ذلك الشرط سابقا في الرتبة على تحقّق الوجوب المشروط به ، من دون أن يكون في البين سبق زماني للشرط المذكور على فعلية المجعول أعني الوجوب المشروط به ، إذ لا يكون لفعلية ذلك الوجوب زمان تقع فيه فعليته ، وإنّما تكون فعليته عين فعلية شرطه. كما أنّ
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٦٢.