خامسا على القول بصحة العبادة المأمور بضدها ، وبعد كلام طويل في الإيرادات الأربعة قال : وأمّا الإيراد الخامس فهو غير مندفع ، وقد أجاب عنه بعض المحقّقين ( يعني صاحب الحاشية ) بأنّ ترك المضيق مقدمة وجوبية ، حيث إنّه شرط لوجوب الموسع ، وإن كان مقدمة لوجوده أيضا ، ومقدمة الوجوب غير واجبة مطلقا بالاتفاق. ولا ينافي كونها شرطا للوجوب كونها متأخرة عنه ، لأنّ الشرط المتأخر جائز في الشرع ، فإذا جاز ذلك وراعينا ما هو المقرر عندهم من عدم وجوب شرائط الوجوب وإن كانت مقدمة للوجود ، لزم القول بتعلق الأمر الموسع قبل ترك الإزالة من دون سراية الوجوب المقدمي إليه (١).
ثم قال صاحب البدائع : ولعمري إنّ هذا الكلام من مثله من الغرائب ، وفي شأنه المثل إنّ الجواد قد يكبو ، وذلك لأنّ شرائط الوجوب إنّما لا تتصف بالوجوب إذا كانت سابقة عليه ، وهو محط أنظار القوم في الحكم بعدم وجوب مقدمة الوجوب مطلقا ولو كانت مقدمة للوجود ، وهو الذي يقضي به بداهة العقل ، لاستحالة وجود المعلول قبل العلّة ، والوجوب المقدمي معلول لوجوب ذيها ، فقبل وجوبه كيف تجب مقدمته. وأمّا إذا كانت متأخرة عن الوجوب ، وصحّحنا الشرط المتأخر بأحد الوجوه المذكورة في بابه ، فلا محيص عن القول بوجوبها أيضا وإن كانت متأخرة ، إذ العبرة بجريان الدليل القاضي بعدم الوجوب ، وهو لزوم تقدم المعلول على العلة وعدمه ، وهو كما ترى لا يأتي في الشروط المتأخرة ، ضرورة فرض تحقق وجوب الواجب الذي هو علّة لوجوب المقدمة قبل وجودها ،
__________________
(١) هداية المسترشدين ٢ : ٢٧٢ ـ ٢٧٣.