بالايمان المغلظة ، فنركب الآن مطايانا ونأتي الكعبة ونتعاقد عندها على الوفاء ، فلما أصبحوا وركبوا حضر عندهم بعض قومهم فأشاروا عليهم وقالوا : لا تفعلوا ذلك فما منكم أحد إلا ويندم ندامة عظيمة ، فلم يقبلوا وساروا جميعا حتى أتوا البيت و تعاهدوا عنده ، فقال البرك : أنا لعمروبن العاص ، وقال العنبري : أنا لمعاوية ، وقال ابن ملجم لعنه الله : أنا لعلي ، فتحالفوا على ذلك (١) بالايمان المغلظة ، ودخلوا المدينة وحلفوا عند قبر النبي صلىاللهعليهوآله على ذلك ، ثم افترقوا وقد عينوا يوما معلوما يقتلون فيه الجميع ، ثم سار كل منهم على طريقه ، فأما البرك فأتى مصر ودخل الجامع وأقام فيه أياما ، فخرج عمرو بن العاص ذات يوم إلى الجامع وجلس فيه بعد صلاته ، فجاء البرك إليه وسلم عليه ، ثم حادثه في فنون الاخبار وطرف الكلام و الاشعار ، فشعف به عمرو بن العاص وقربه وأدناه ، وصار يأكل معه على مائدة واحدة فأقام إلى الليلة التي تواعدوا فيها ، فخرج إلى نيل مصر وجلس مفكرا ، فلما غربت الشمس أتى الجامع وجلس فيه ، فلما كان وقت الافطار افتقده عمروبن العاص فلم يره ، فقال لولده : ما فعل صاحبنا وأين مضى فأني لا أراه؟ فبعثه إليه يدعوه فقال : قل له : إن هذه الليلة ليست كالليالي ، وقد أحببت أن اقيم ليلتي هذه في الجامع رغبة فيما عندالله ، واحب أن أشرك الامير في ذلك ، فلما رجع إليه و أخبره بذلك سره سرورا عظيما وبعث إليه مائدة فأكل وبات ليلته ينتظر قدوم عمرو وكان هو الذي يصلي بهم ، فلما كان عند طلوع الفجر أقبل المؤذن إلى باب عمرو ، وأذن و قال : الصلاة يرحمك الله الصلاة ، فانتبه فاتي بالماء وتوضأ وتطيب وذهب ليخرج إلى الصلاة فزلق (٢) فوقع على جنبه فاعتوره عرق النساء فأشغلته عن الخروج فقال : قدموا خارجة بن تميم القاضي يصلي بالناس ، فأتى القاضى ودخل المحراب في غلس فجاء البرك فوقف خلفه وسيفه تحت ثيابه ، وهو لا يشك أنه عمرو ، فأمهله حتى سجدو جلس
____________________
(١) في ( ك ) : في ذلك.
(٢) زلقت القدم : زلت ولم تثبت.