والجواب أن يقال : ما أردت بقولك « والبارئ تعالى قادر كامل في تأثيره » إن أردت أن لا نقص في ذاته وصفاته الكمالية كقدرته وعلمه وإرادته وفي اقتضاء ذاته القديمة إفاضة الخير والجود فذلك مسلم ، ولا يلزم [ منه ] وجوب إيجاد العالم أزلا ، لجواز توقف الايجاد على شرط يقتضيه العلم بالاصلح ، وإن أردت به أن الفاعل في الازل مستجمع لرائط التأثير فهو ممنوع ، والسند ما مر. والحاصل أن مقتضى كونه كاملا جوادا في ذاته أن لا ينفك عن ذاته إفادة ما ينبغي ، ولا نسلم أن وجود العالم في الازل كذلك ، إذ ما ينبغي عبارة عما هو أصلح بالنظام بحسب علمه القديم ، والاصلح إنما هو وجود العالم فيما لا يزال.
وقال بعض المحققين في الجواب عن هذه الشبهة : إنها مبنية على استلزام أزلية الامكان إمكان الازلية وهو ممنوع ، فإن معنى الاول استمرار إمكان الشئ وجواز وجوده ، ومعنى الثاني جواز أن يوجد الشئ وجودا مستمرا أزلا وأبدا وظاهر أن استلزام الاول للثاني ليس مما لا يطلب له دليل. واستدل عليه بأنه إذا استمر الامكان أزلا لم يكن في ذاته مانع من الوجود في شئ من أجزاء الازل فعدم منعه أمر مستمر في جميع أجزاء الازل ، فإذا نظر إلى ذاته جاز له الاتصاف بالوجود في كل جزء منها لابد لا فقط بل ومعا أيضا ، وهو إمكان اتصافه بالوجود المستمر الازلي ، فأزلية الامكان استلزمت إمكان الازلية. وفيه نظر إذ قوله « ومعا أيضا » ممنوع ، بل وقوله « جازله الاتصاف بالوجود في كل جزء منها » أيضا ممنوع ، فإن الآنيات يمتنع وجودها في الزمان ، وأيضا ما ذكره منقوض بالحركة التوسطية الآخذة من مبدأ معين ، فإنها ممكنة أزلا ولا يمكن لها الوجود أزلا لوجود مبدء لها فرضا « انتهى ».
واقول : ويظهر من أجوبة سائر الشبه أجوبة اخرى لهذه الشبهة تركناها للمتأمل الفطن.
المرصد الثالث : دفع الشبهة التي أوردها صاحب المحاكمات ، وهي أنه لا يجوز أن يكون فعله تعالى معدوما ثم يوجد ، إذ العدم الصريح لا تمييز فيه حتى