المرصد الرابع : دفع شبهة اخرى لهم ، وهي أن الزمان لو كان حادثا لكان معدوما قبل وجوده قبلية انفكاكية لا يجامع بحسبها القبل البعد في الواقع وهذه القبلية معروضها بالذات أجزاء الزمان بعضها بالنسبة إلى بعض ، ولا يوصف بها ماعدا الزمان إلا بالعرض من جهة مقارنة الزمان ، فإذن يلزم وجود الزمان على تقدير عدمه ، وهذا خلف. ويمكن بمثل هذا البيان إثبات امتناع العدم اللاحق على الزمان فثبت سرمديته.
ومما ينبه أن هذا البيان مغالطة هو أن الزمان إما أن يكون مستندا إلى الواجب بلا واسطة ، فيكون هو الصادر الاول وهو خلاف معتقدهم ، وإما أن يكون بواسطة علة ممكنة ولا شك أن هذه العلة ممكنة لذاتها وبالنسبة إلى الزمان الذي هو معلولها ، لان بالمعلول لا تجب العلة ، ولا يصير منشأ لوجوب علته ، فظهر أن علة الزمان ممكنة بالذات وبالنسبة إلى الزمان أيضا ، وعدم الممكن بالوصف المذكور لا يلزم من فرضه محال أصلا ، فإذا فرضنا انعدام علة الزمان فإما أن يبقى الزمان موجودا بلا علة مبقية وهو محال ، لان علة الحاجة إلى الموثر عندهم هو إمكان المعلول وحده ، وإما أن ينعدم الزمان أيضا وهو محال عندهم ، واقتضاه هذا الدليل ، فإن مذهبهم أن العدم بعد الوجود محال بالذات على الزمان ، وإنما الممكن بالنظر إلى الزمان هو العدم رأسا وابتداء ، وأما العدم بعد الوجود فلا يجوزونه ويصرحون بامتناعه بالذات.
والجواب عن أصل الدليل أنا لا نسلم أن العدم الصرف الذي صورناه قبل العالم يمكن أن يتصف بشي ء ، كيف وهو نفي صرف ولا شئ محض في الواقع ، نعم بعد وجود العالم وتحقق الموجودات ربما يمكن سريان بعض هذه الاحكام إلى العدم ، ولو سلم فلا نسلم أن منشأ استحالة اجتماعه مع الوجود اللاحق هو اتصافه بالسبق ، بل يجوز أن يكون لانهما متقابلان بالايجاب والسلب ، ولاجل هذا التقابل لا يجتمعان ، ولو سلم فلا نسلم أن مثل هذا السبق لا يعرض إلا للزمان و دون إثباته خرط القتاد ، وغاية ما لزم من دليلهم على تقدير تسليمه أن هذا النوع