وأقول : كأن المراد بالاسلام هنا المعنى الاخص منه المرادف للايمان كما يومئ إليه قوله « إن المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه » وقوله « إن المؤمن يرى يقينه في عمله » وحاصل الخبر أن الاسلام هو التسليم والانقياد. والانقياد التام لا يكون إلا باليقين ، واليقين هو التصديق الجازم ، والاذعان الكامل بالاصول الخمسة أو تصديق الله ورسوله والائمة الهداة ، والتصديق لا يظهر أولا يفيد إلا بالاقرار الظاهري ، والاقرار التام لا يكون أولا يظهر إلا بالعمل بالجوارح ، فان الاعمال شهود الايمان ، والعمل الذي هو شاهد الايمان هو أداء ما كلف الله تعالى به لا اختراع الاعمال وإبداعها كما تفعله المبتدعة ، والاداء اسم المصدر الذي هو التأدية ، ويحتمل أن يكون المراد بالاداء تأديته وإيصاله إلى غيره ، فيدل على أن التعليم ينبغي أن يكون بعد العمل ، وأنه من لوازم الايمان ، فظهر أن الحمل في بعضها حقيقي وفي بعضها مجازي.
وقيل : أشار عليهالسلام إلى أن الاسلام وهو دين الله الذي أشار إليه جل شأنه بقوله « إن الدين عند الله الاسلام » (١) يتوقف حصوله على ستة امور ، والعبارة لا تخلو من لطف ، وهو أنه جعل التصديق الذي هو الايمان الخالص الحقيقي بين ثلاثة وثلاثة واشتراك الثلاثة التي قبله في أنها من مقتضياته وأسباب حصوله ، و اشتراك الثلاثة التي بعده في أنها من لوازمه وآثاره وثمراته ، وبالجملة جعل التصديق الذي هو الايمان وسطا وجعل أول مراتبه الاسلام ، ثم التسليم ثم اليقين وجعل أول مراتبه من جهة المسببات الاقرار بما يجب الاقرار به ، ثم العمل بالجوارح ، ثم أداء ما افتراض الله به انتهى.
إن المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه كأنه بيان لما بين سابقا وقرره من أن الاسلام لا يكون إلا بالتسليم لائمة الهدى ، والانقياد لهم فيما أمروا به و هوا عنه ، وأنه لا يكون ذلك إلا بتصديق النبي والائمة صلوات الله عليهم ، و الاقرار بما صدر عنهم ، وأداء الاعمال على نهج ما بينوه لان الايمان ليس أمرا
__________________
(١) آل عمران : ١٩.