هي الانقطاع عن الناس للانفراد بالعبادة « ما كتبناها » أي ما فرضناها « عليهم » وقال الزجاج إن تقديره « ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله » وابتغاء رضوان الله اتباع ما أمر الله ، لهذا وجه ، قال : وفيها وجه آخر جاء في التفسير أنهم كانوا يرون من ملوكهم مالا يصبرون عليه ، وفاتخذوا أسرابا وصوامع ، وابتدعوا ذلك ، فلما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع ، ودخلوا عليه ، لزمهم إتمامه كما أن الانسان إذا جعل على نفسه صوما لم يفرض عليه لزمه أن يتمه.
قال : وقوله « فما رعوها حق رعايتها » على ضربين أحدهما أن يكونوا قصروا فيما ألزموه أنفسهم ، والاخر وهو الاجود أن يكونوا حين بعث النبي صلىاللهعليهوآله فلم يؤمنوا به ، وكانوا تاركين لطاعة الله ، فما رعوها [ أي ] تلك الرهبانية حق رعايتها ودليل ذلك قوله « فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم » يعني الذين آمنوا بالنبي صلىاللهعليهوآله « وكثير منهم فاسقون » أي كافرون انتهى كلام الزجاج.
ويعضد هذا ما جاءت به الرواية عن ابن مسعود ، قال : كنت رديف رسول الله صلىاللهعليهوآله على حمار فقال : يا ابن ام عبد ، هل تدري من أين أحدثت بنو إسرائيل!! الرهبانية؟ فقلت : الله ورسوله أعلم ، فقال : ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى عليهالسلام يعملون بمعاصي الله ، فغضب أهل الايمان فقاتلوهم فهزم أهل الايمان ثلاث مرات ، فلم يبق منهم إلا القليل ، فقالوا : إن ظهرنا هؤلاء أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه ، فتعالوا نتفرق في الارض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسى عليهالسلام يعنون محمدا صلىاللهعليهوآله فتفرقوا في غيران الجبال ، وأحدثوا رهبانية فمنهم من تمسك بدينه ، ومنهم من كفر ، ثم تلا هذه الاية « ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم » إلى آخرها ثم قال يا ابن ام عبد أتدري ما رهبانية امتي؟ قلت : الله ورسله أعلم ، قال : الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة.
وفي حديث آخر عن ابن مسعود ، أنه صلىاللهعليهوآله قال : من آمن بي وصدقني واتبعني فقد رعاها حق رعايتها ، ومن لم يؤمن بي فاولئك هم الهالكون انتهى (١)
__________________
(١) مجمع البيان ج ٩ ص ٢٤٣.