نفوسهم في التوبة ، وقرض ما يصيبه البول من أجسادهم ، وما أشبه ذلك من تحريم السبت وتحريم العروق والشحوم وقطع الاعضاء الخاطئة ، ووجوب القصاص دون الدية عن أكثر المفسرين (١) انتهى.
وأقول : استدل أكثر أصحابنا على تحريم كثير من الاشياء مما تستقذره طباع أكثر الخلق بهذه الاية ، وهو مشكل ، إذا الظاهر من سياق الاية مدح النبي صلىاللهعليهوآله وشريعته ، بأن ما يحل لهم هو طيب واقعا وإن لم نفهم طيبه وما يحرم عليهم هو الخبيث واقعا وإن لم نعلم خبثه ، كالطعام المستلذ الذي يكون من مال اليتيم أو مال السرقة تستلذه الطبع وهو خبيث واقعا وأكثر الادوية التي يحتاج الناس إليها في غاية البشاعة وتستقذرها الطبع ، ولم أر قائلا بتحريمها ، فالحمل على المعنى الذي لا يحتاج إلى تخصيص ويكون موافقا لقواعد الامامية من الحسن والقبح العقليين ، أولى من الحمل على معنى لا بد فيه من تخصيصات كثيرة ، بل ما يخرج منهما أكثر مما يدخل فيهما كما لا يخفى على من تتبع مواردهما.
ويمكن أن يقال هذه الاية كالصريحة في الحسن والقبح العقليين ، ولم يستدل بها الاصحاب رضياللهعنهم ، وقيل الاصر الثقل الذي يأصر حامله ، أي يحبسه في مكانه لفرط ثقله ، وقال الزمخشري هو مثل لثقل تكليفهم وصعوبته ، نحو اشتراط قتل الانفس في حصة توبتهم ، وكذلك الاغلال مثل لما كان في شرايعهم من الاشياء الشاقة نحو بت القضاء بالقصاص عمدا كان أو خطاء من غير شرع الدية ، وقطع الاعضاء الخاطئة ، وقرض موضع النجاسة من الجلد والثواب ، وإحراق الغنائم ، وتحريم العروق في اللحم ، وتحريم السبت ، وعن عطا كانت بنو إسرائيل إذا قامت تصلي لبسوا المسوح وغلوا أيديهم إلى أعناقهم ، وربما ثقب الرجل ترقوته وجعل فيها طرف السلسلة وأوثقها إلى السارية يحبس نفسه على العبادة انتهى.
قوله عليهالسلام : « ثم افترض عليه » أي على نبينا صلىاللهعليهوآله « فيها » أي في الفطرة التي هي ملته ، وكأن « ثم » للتفاوت في الرتبة ، وقيل : المراد بالحلال ما عدا الحرام
__________________
(١) مجمع البيان ج ٤ ص ٤٨٧.