كان لايلوم أحدا فيما يقع العذر في مثله حتى يرى اعتذارا ، كان يفعل ما يقول ويفعل مالا يقول كان إذا ابتزه أمران لايدري أيهما أفضل ، نظر إلى أقربهما إلى الهوى فخالفه ، وكان لايشكو وجعا إلا عند من يرجو عنده البرء ، ولايستشير إلا من يرجو عنده النصيحة ، كان لايتبرم ، ولايتسخط ، ولايتشكى ، ولايتشهى ، ولاينتقم ولايغفل عن العدو ، فعليكم بمثل هذه الاخلاق الكريمة ، إن أطقتموها ، فان لم تطيقوها كلها فأخذ القليل خير من ترك الكثير ، ولاحول ولاقوة إلا بالله (١).
نهج : قال أميرالمؤمنين عليهالسلام : كان لي فيما مضى أخ في الله ، وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه وكان خارجا من سلطان بطنه إلى قوله من ترك الكثير (٢).
تبيين : قال ابن أبي الحديد : قد اختلف الناس في المعنى بهذا الكلام ومن هذا الاخ المشار إليه؟ فقال قوم : هو رسول الله صلىاللهعليهوآله واستبعده قوم لقوله عليهالسلام « وكان ضعيفا مستضعفا » فانه لايقال في صفاته صلىاللهعليهوآله مثل هذه الكلمة و إن أمكن تأويلها على لين كلامه وسجاحة أخلاقه ، إلا أنها غير لائقة به عليهالسلام وقال قوم : هو أبوذر الغفاري واستبعده قوم لقوله عليهالسلام « فان جاء الجد فهو ليث غاد وصل واد » فان أباذر لم يكن من المعروفين بالشجاعة والبسالة ، وقال قوم : هو مقداد بن عمرو المعروف بمقداد بن الاسود وكان من شيعة علي عليهالسلام و كان شجاعا مجاهدا حسن الطريقة ، وقد روي في فضله حديث صحيح مرفوع ، و قال قوم : إنه ليس باشارة إلى أخ معين ولكنه كلام خارج مخرج المثل كقولهم فقلت لصاحبي ويا صاحبي وهذا عندي أقوى الوجوه انتهى (٣).
ولايبعد أن يقال : إن قوله عليهالسلام فان جاء الجد فهو ليث غاد إلى آخره لايقتضي الشجاعة والبسالة في الحرب ، بل المراد الوصف بالتصلب في ذات الله ، و
____________________
(١) الكافى ج ٢ ص ٢٣٧.
(٢) نهج البلاغة ج ٢ ص ٢١٤.
(٣) شرح النهج لابن أبى الحديد ج ٤ ص ٣٧٨.