ترك المداهنة في أمر الدين ، وإظهار الحق ، بل في العدول عن لفظ الحرب إلى الجد ، بعد الوصف بالضعف إشعار بذلك ، وقد كان أبوذر معروفا بذلك ، و إفصاحه عن فضائح بني امية في أيام عثمان وتصلبه في إظهار الحق أشهر من أن يحتاج إلى البيان.
وقال الشارح ابن ميثم : ذكر هذا الفصل ابن المقفع في أدبه ونسبه إلى الحسن بن علي عليهماالسلام والمشار إليه قيل : هو أبوذر الغفارى وقيل : هوعثمان ابن مظعون انتهى (١).
وأقول : لايبعد أن يكون المراد به أباه عليهالسلام عبر هكذا لمصلحة.
« وكان رأس ما عظم به في عيني » أي وكان أقوى وأعظم الصفات التي صارت أسبابا لعظمته في عيني ، فان الرأس أشرف ما في البدن ، وفي القاموس الرأس أعلى كل شئ ، والصغر وزان عنب وقفل خلاف الكبر ، وبمعنى الذل والهوان ، وهو خبر كان ، وفاعل عظم ضمير الاخ ، وضمير به عائد إلى الموصول والباء للسببية.
« كان خارجا من سلطان بطنه » أي سلطنته كناية عن شدة الرغبة في المأكول والمشروب ، كما وكيفا ، ثم ذكر عليهالسلام لذلك علامتين ، حيث قال : « فلا يشتهي مالايجد » وفي النهج « فلا يتشهى » ويقال تشهى فلان إذا اقترح شهوة بعد شهوة ، وهو أنسب « ولايكثر » في الاكل « إذا وجد » والاكثار من الشئ الاتيان بالكثير منه ، والمراد به إما لاقتصار على مادون الشبع ، أو ترك الافراط في الاكل أو ترك الاسراف في تجويد المأكول والمشروب.
« كان خارجا من سلطان فرجه » أي لم يكن لشهوة فرجه عليه سلطنة بأن توقعه في المحرمات ، أو الشبهات والمكروهات ، فذكر لذلك أيضا علامتين فقال : « فلا يستخف له عقله ولارأيه » في القاموس استخفه ضد استثقله ، وفلانا عن رأيه حمله
____________________
(١) شرح النهج لابن ميثم ص ٦١٦.