فقال : ثم أتاه قومه ممن يظهر التزهد ، ويدعون الناس أن يكونوا معهم مثل الذي هم عليه من التقشف (١) فقالوا : إن صاحبنا حصر عن كلامك ، ولم تحضره حجة ، فقال لهم : هاتوا حججكم ، فقالوا : إن حججنا من كتاب الله قال لهم : فأدلوا بها (٢) فانها أحق ما اتبع وعمل به.
فقالوا : يقول الله تبارك وتعالى يخبر عن قوم من أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله : « ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون » (٣) فمدح فعلهم ، وقال في موضع آخر : « ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا » (٤) فنحن نكتفي بهذا ، فقال رجل من الجلساء : إنا مارأيناكم (٥) تزهدون في الاطعمة الطيبة ومع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتى تتمتعوا أنتم منها؟ فقال ( له ) : أبوعبدالله عليهالسلام دعوا عنكم مالاينتفع به ، أخبروني أيها النفر ألكم علم بناسخ القرآن من منسوخه ومحكمه من متشابهه ، الذي في مثله ضل من ضل ، وهلك من هلك من هذه الامة؟ فقالوا له : أو بعضه ، فأما كله فلا ، فقال لهم : من ههنا اتيتم (٦) وكذلك أحاريث رسول الله صلىاللهعليهوآله.
فأما ماذكرتم من إخبار الله إيانا في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم بحسن
____________________
(١) المتقشف : المتبلغ بقوت ومرقع ، ومن لايبالى بما تلطخ جسده. يقال : قشف قشافة : قذر جلده ولم يتعهد النظافة ، وان كان مع ذلك يطهر نفسه بالماء والاغتسال وقشف فلان : رثت هيئة وساءت حاله وضاق عيشه كما هو سيرة المتصوفين.
(٢) يقال أدلى بحجته : اذا أحضرها واحتج بها.
(٣) الحشر : ٩.
(٤) الدهر : ٨.
(٥) في الكافي : انا رأيناكم ، وهو الظاهر.
(٦) اتى فلان كعنى ، وهى وتغير عليه حسه ، فتوهم ماليس بصحيح صحيحا نقله الشرتوني عن التاج.