ورجل يدعو على غريم ذهب له بمال ولم يشهد عليه ، ورجل يدعو على امرأته وقد جعل الله تخلية سبيلها بيده ، ورجل يقعد في البيت يقول : يارب ارزقني ولا يخرج يطلب الرزق ، فيقول الله عزوجل : عبدي! أولم أجعل لك السبيل إلى الطلب والضرب في الارض بجوارح صحيحة؟ فتكون قد أعذرت فيما بيني وبينك في الطلب لاتباع أمري ، ولكيلا تكون كلا على أهلك فان شئت رزقتك ، وإن شئت قترت عليك ، وأنت معذور عندي ، ورجل رزقه الله مالا كثيرا فأنفقه ثم أقبل يدعو يارب ارزقني ، فيقول الله : ألم أرزقك رزقا واسعا؟ أفلا اقتصدت فيه كما أمرتك ، ولم تسرف كما نهيتك ، ورجل يدعو في قطيعة رحم ».
ثم علم الله نبيه كيف ينفق ، وذلك أنه كان عنده أوقية من ذهب ، فكره أن تبيت عنده فصدق وأصبح ليس عنده شئ ، وجاءه من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه ، فلامه السايل واغتم هو حيث لم يكن عنده مايعطيه ، وكان رحيما رفيقا فأدب الله نبيه بأمره إياه فقال : « ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا » (١) يقول : إن الناس قد يسألونك ولا يعذرونك فاذا أعطيت جميع ماعندك كنت قد حسرت من المال.
فهذه أحاديث رسول الله صلىاللهعليهوآله يصدقها الكتاب والكتاب يصدقه أهله من المؤمنين ، وقال أبوبكر عند موته : اوصي بالخمس والخمس كثير فان الله قد رضي بالخمس فأوصى بالخمس ، وقد جعل الله له الثلث عند موته ، ولو علم أن الثلث خير [ اً ] له أوصى به.
ثم من قد علمتم بعده في فضله وزهده سليمان وأبوذر ، فأما سلمان فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته ، حتى يحضره عطاؤه من قابل ، فقيل له : يا أبا عبدالله أنت في زهدك تصنع هذا؟ وإنك لاتدري لعلك تموت اليوم أو غدا ، وكان جوابه أن قال : مالكم لاترجون لي البقاء كما خفتم علي الفناء ، أو ما علمتم يا
____________________
(١) أسرى : ٢٩.