على غير قياس كمشابه وملامح جمع شبه ولمحة.
وقال بعض المحققين : هذا التنوير الذي اشير به في الحديث إنما يحصل بزيادة الايمان وشدة اليقين فانهما ينتهيان بصاحبهما إلى أن يطلع على حقائق الاشياء محسوساتها ومعقولاتها ، فتنكشف له حجيها وأستارها ، فيعرفها بعين اليقين على ماهي عليه ، من غير وصمة ريب أو شائبة شك ، فيطمئن لها قلبه ، ويستريح بها روحه ، وهذه هي الحكمة الحقيقية التي من اوتيها فقد اوتي خيرا كثيرا وإليه أشار أمير المؤمنين عليهالسلام بقوله : « هجم بهم العلم على حقائق الامور ، وباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استوعره المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملاء الاعلى » (١).
أراد عليهالسلام بما استوعره المترفون يعني المتنعمون رفض الشهوات البدنية وقطع التعلقات الدنيوية وملازمة الصمت والسهر والجوع والمراقبة والاحتراز عما لايعني ونحو ذلك ، وإنما يتيسر ذلك بالتجافي عن دار الغرور ، والترقي إلى عالم النور ، والانس بالله ، والوحشة عما سواه ، وصيرورة الهموم جميعا هما واحدا ، وذلك لان القلب مستعد لان يتجلى فيه حقيقة الحق في الاشياء كلها من اللوح المحفوظ الذي هو منقوش بجميع ماقضى الله تعالى به إلى يوم القيامة وإنما حيل بينه وبينها حجب كنقصان في جوهره أو كدورة تراكمت عليه من كثرة الشهوات ، أو عدول به عن جهة الحقيقة المطلوبة ، أو اعتقاد سبق إليه ورسخ فيه على سبيل التقليد ، والقبول بحسن الظن ، أو جهل بالجهة التي منها يقع العثور على المطلوب وإلى بعض هذه الحجب اشير في الحديث النبوي لو لا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماء.
١٨ ـ م : قوله عزوجل : « ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد
____________________
(١) راجع نهج البلاغة تحت الرقم ١٤٧ من الحكم ، تحف العقول ص ١٦٤ ، ولايذهب عليك أن كلامه عليهالسلام هذا في صفات حجج الله عزوجل وصدره : اللهم بلى لايخلو الارض من قائم الله بحجة اما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا الخ.