عظمته وهيبة جلالته في أثناء صدورهم (١) ولم تطمع فيهم الوساوس فتقترع برينها على فكرهم منهم من هوفي خلق الغمام الدلح (٢) وفي عظم الجبال الشمخ ، وفي قترة الظلام الايهم (٣) ومنهم من قد خرقت أقدامهم تخوم الارض السفلى ، فهي كرايات بيض قد نفذت في مخارق الهواء وتحتها ريح هفافة (٤) تحبسها على حيث انتهت من الحدود المتناهية ، قد استفرغتهم أشغال عبادته ، ووصلت حقائق الايمان بينهم وبين معرفته ، وقطعهم الايقان به إلى الوله إليه. ولم تجاوز رغباتهم ما عنده إلى ما عند غيره ، قد ذاقوا حلاوة معرفته ، وشربوا بالكأس الروية من محبته ، و تمكنت من سويداء قلوبهم وشيجة خيفته ، فحنوا بطول الطاعة اعتدال ظهورهم ، و لم ينفد طول الرغبة إليه مادة تضرعهم (٥) ولا أطلق عنهم عظيم الزلفة ربق خشوعهم
____________________
(١) الاثناء ـ جمع ثنى ـ بالكسر ـ أى خلالها.
(٢) فتقترع أى تضرب. والرين بالنون : الطبع ، والتغطية ، والدنس ، ورانت النفس أى خبثت. والدلح جمع دالح وهو الثقيل من السحاب.
(٣) الشمخ ـ بالضم والتشديد ـ جمع شامخ وهو من الجبل العالى. والقترة ـ بالضم ـ بيت الصايد يتستر به عند تصييده ويجمع على قتر مثل غرفة وغرف. والايهم الذى لا يهتدى فيه ومنه فلاة يهماء. وفى بعض النسخ « الابهم » بالباء الموحدة وهم الملائكة المأمورون بالمطر.
(٤) التخوم ـ بضم التاء ـ معالم الارض وحدودها وهى جمع تخم ـ بالضم ـ. ومخارق الهواء : المواضع التى تمكنت فيها تلك الرايات بخرق الهواء. والريح الهفافة : الطيبة الساكنة. وقوله « قد استفرغتهم » أى عن الاشتغال بانفسهم.
(٥) قوله «ع» « بالكاس » الباء بمعنى من والروية أى التى يزيل العطش ، وسويداء القلب وسوداؤه حبته. والوشيجة ليف يفتل ثم يشبك بين الخشبتين فينقل عليه البر المحصود ونحوه. وشيجة القوم أى دخلاء فيهم. والوشيجة أيضا واحدة الوشائج وهى عروق الاذنين.
وحنيت الشئ عطفته. وقوله «ع» « مادة تضرعهم » أى الداعى اليه. فبقدر صعودهم إلى مدارج الطاعة يزداد قربهم ، وكلما ازداد قربهم ازداد علمهم بعظمة الله سبحانه : فلذلك لا ينقص تضرعهم وخشوعهم.