ولم يتولهم الاعجاب (١) فيستكثروا ماسلف منهم ، ولا تركت لهم استكانة الاجلال نصيبا في تعظيم حسناتهم ، ولم تجر الفترات فيهم على طول دؤوبهم (٢) ولم تغض رغباتهم فيخالفوا عن رجاء ربهم ولم تجف لطول المناجاة أسلات ألسنتهم ، ولا ملكتهم الاشغال فتنقطع بهمس الجؤار إليه أصواتهم ، ولم تختلف في مقاوم الطاعة مناكبهم (٣) ولم يثنوا إلى راحة التقصير في أمره رقابهم ، ولا تعدو على عزيمة جد هم بلادة الغفلات ولا تنتضل في هممهم خدائع الشهوات (٤) قد تخذوا ذا العرش ذخيرة ليوم فاقتهم ويمموه عند انقطاع الخلق إلى المخلوقين برغبتهم ، لا يقطعون أمد غاية عبادته ، ولا يرجع بهم الاستهتار بلزوم طاعته إلا إلى مواد من قلوبهم غير منقطعة من رجائه و مخافته (٥) لم تنقطع أسباب الشفقة منهم فينوا في جدهم (٦) ولم تأسرهم الاطماع فيؤثروا
____________________
(١) أطلق الاسير أى حل اسره. والربق ـ بكسر الراء ـ جمع ربقة ، وتولى الامر تقلده.
(٢) الدؤوب : التعب.
(٣) الاسلات : الاطراف. والهمس الصوت الخفى. والجؤار ـ كغراب ـ رفع الصوت بالدعاء والتضرع والاستغاثة أى ليس لهم أشغال خارجة عن العبادة. المراد بمقاوم الطاعة صفوف العبادة وبعدم اختلاف مناكبهم عدم تقدم بعضهم على بعض في الصف أو عدم انحراف صفوفهم.
(٤) البلادة ضد الذكاوة والغطانة والمراد بالخدائع الوساوس الصارفة عن العبادة وانتضالها تواردها وتتابعها.
(٥) يمموه أى يقصدوه بالرغبة والرجاء. والامد : الغاية ، المنتهى ، « ويرجع » فعل متعد ولازم تقول رجع زيد ورجعته. والاستهتار الولوع بالشئ والحرص عليه. والمادة مشتقة من مد البحر وغيره اذا زاد ، وكل ما أعنت به قوما في حرب وغيره فهو مادة لهم. و المراد بالمادة المعين المقوى. و « من » في قوله « من قلوبهم » ابتدائية ، أى مواد ناشئة من قلوبلهم غير منقطعة ، وفى قوله « من رجائه » بيانية ، فتكون المواد عبارة عن الرجاء والخوف الباعثين لهم على لزوم الطاعة.
(٦) الونى : الفتور والتأنى. و « لم تأسرهم » أى لم تجعلهم أسير اوهو المقيد والمشددد.