وشيك السعي على اجتهادهم (١) ولم يستعظموا ما مضى من أعمالهم ، ولو استعظموا ذلك لنسخ الرجاء منهم شفقات وجلهم ، ولم يختلفوا في ربهم باستحواذ الشيطان عليهم (٢) ولم يفرقهم سوء التقاطع ، ولا تولا هم غل التحاسد ، ولا شعبتهم مصارف الريب (٣) ولا اقتسمتهم أخياف الهمم (٤) فهم اسراء إيمان لم يفكهم من ربقته زيغ ولا عدول ولاونى ولا فتور ، وليس في أطباق السماوات موضع إهاب إلا و عليه ملك ساجد أوساع حافد ، يزدادون على طول الطاعة بربهم علما ، وتزداد عزة ربهم في قلوبهم عظما.
منها في صفة الارض ودحوها على الماء :
كبس الارض على مور أمواج مستفحلة (٥) ولجج بحار زاخرة ، تلتطم أواذي أمواجها وتصطفق متقاذفات أثباجها ، وترغو زبدا كالفحول عند هياجها (٦)
____________________
(١) والايثار الاختيار والوشيك : القريب والسريع أى ليسوا مأسورين في ربقة الطمع حتى يختاروا السعى القريب في تحصيل المطموع الدنياوى الفانى على اجتهادهم الطويل في تحصيل السعادة الباقية كما يفعله البشر.
(٢) استعظام العمل هو العجب المنهى عنه ونسخ الشئ ازالته وابطاله والمراد بالرجاء تجاوز الحد المطلوب منه ويعبر عنه بالاغترار والشفقارت : تارات الخوف ومراته. والوجل : الخوف. والاستحواذ : الاستيلاء.
(٣) الغل : الحسد والحقد. والمصارف : الوجوه والطرق.
(٤) أخياف الهمم أى الهمم المختلفة وأصله من الخيف محركة ـ وهو زرقة احدى العينين وسواد الاخرى في الفرس ومنه قيل لا خوة الام أخياف لان آباء هم شتى. والغرض نفى الاختلاف بينهم والتعادى والتفرق بعروض الريب واختلاف الهمم.
(٥) كبس الرجل رأسه في قميصه اذا أدخله فيه ، كبس الارض أى أدخلها الماء بقوة واعتماد شديد وموز الامواج تحركها. واستفحل الامر : اشتد وامواج مستفحلة أى هائجة هيجان الفحول وقيل : أى حائلة.
(٦) ورغى اللبن صارت له رغوة أى زبد وهو محركة الذى يظهر فوق السيل الرغاء ـ بالضم ـ صوت الابل وزبدا منصوب بمقدارى ترغو قاذفة زبدا. والاواذى جمع آذى وهو