فخضع جماح الماء المتلاطم لثقل حملها ، وسكن هيج ارتمائه إذوطئته بكلكها وزل مستخذيا إذ تمعكت عليه بكواهلها ، فأصبح ، بعد اصطخاب أمواجه ساجيا مقهورا ، و في حكمة الذل منقادا أسيرا (١) وسكنت الارض مدحوة في لجة تياره وردت من نخوة بأوه واعتلائه ، وشموخ أنفه وسمو غلوائه ، وكعمته على كظة جريته فهمد بعد نزقاته ، ولبد زيفان وثباته (٢) فلما سكن هيج الماء من تحت أكنافها وحمل شواهق الجبال الشمخ البذخ على أكتافها (٣) فجر ينابيع العيون من عرانين انوفها ، وفرقها في سهوب بيدها وأخاديدها وعدل حركاتها بالراسيات من جلاميدها (٤)
____________________
الموج الشديد وأعلى الموج. والصفق : الضرب يسمع له صوت واصطفقت الامواج أى ضرب بعضها بعضا. والتقاذف : الترامى بقوة. وثبج البحر ـ محركة ـ : معظمه ووسطه. واللطم ضرب الخد بالكف والتطمت الامواج ضرب بعضها بعضا.
(١) الكلكل في الاصل : الصدر. استعارة لما لا قى الماء من الارض. ومستخذيا أى منكسرا مسترخيا. وقوله « اذتمعكت عليه » مستعار من تمعكت الدابة أى تمرغت في التراب والمعك الدلك في التراب ، والكاهل ما بين الكتفين. والاصطخاب افتعال من الصخب وهو ارتفاع الصوت والمراد اضطرب الاصوات. والساجى الساكن ، والحكمة ـ محركة ـ حديدة في اللجام تكون على حنك الفرس تمنعه عن مخالفة راكبه.
(٢) الدحو : البسط. والتيار : الموج ، واللجة : معظم الماء. والبأو : الكبرو الزهو. والغلوء ـ بضم الغين وفتح اللام ـ : النشاط وتجاوز الحد. وكعم البعير ـ كمنع ـ شدفاه لئلا يعض او يأكل. والكظة ـ بالكسر ـ : ما يعرض من امتلاء البطن بالطعام ولعل المراد ما يشاهد في جرى الماء من ثقل الاندفاع. لان كظة الجرية ما يشاهد من الماء الكثير في جريانه من الثقل. همد : ذهب حرارته والنزق والنزقان : الطيش. ولبد ـ كفرح ونصر ـ أى قام ووثب. والزيفان ـ محركة ـ : التبختر في المشى. والوثبة : الطفرة.
(٣) الاكناف الجوانب. والشاهق المرتفع من الجبال. والبذخ : الشمخ الا أن فيه ضخامة مع الارتفاع. و « حمل » عطف على أكتاف.
(٤) عرانين جمع عرنين ـ بالكسر ـ وهو ما صلب من عظم الانف وهو الذى تحت الحاجبين والمراد أعالى الجبال غير أن الاستعارة من ألطف أنواعها في هذا المقام.