فيها حبل الدين ، وتز عزعت سواري اليقين ، فاختلف النجر (١) وتشتت الامر ، وضاق المخرج ، وعمى الصدر ، فالهدى خامل ، والعمى شامل ، عصي الرحمن ونصر الشيطان ، وخذل الايمان ، فانهارت دعائمه ، وتنكرت معامله ، ودرست سبله وعفت شركه (٢) أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه وورد وامناهله ، بهم سارت أعلامه وقام لواؤه ، في فتن داستهم بأخفافها ، ووطئتهم بأظلافها ، وقامت على سنابكها (٣) فهم فيها تائهون ، حائرون جاهلون مفتونون ، في خير دار وشر جيران ، نومهم سهود (٤) وكحلهم دموع ، بأرض عالمها ملجم ، وجاهلها مكرم.
٢٠ ـ ومنها (٥) أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة ، وعرجوا عن طريق المنافرة ، وضعوا تيجان المفاخرة ، أفلح من نهض بجناح ، أو استسلم فأراح ماء آجن ، ولقمة يغص بها آكلها ، ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها (٦) كالزارع بغير أرضه.
فان أن يقولوا : حرص على الملك ، وإن أسكت يقولوا جزع من الموت هيهات بعد اللتيا والتي والله لا بن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي امه بل
____________________
(١) المثلات ـ بفتح فضم ـ : العقوبات ، وانجذم أى انقطع ، والسوارى جمع سارية العمود والدعامة ، وتزعزت أى اضطربت ، والنجر بفتح النون وسكون الجيم : الاصل.
(٢) انهارت أى هوت وسقطت ، وتنكرت أى تغيرت من حال تسر إلى حال تكره.
ودرست كاندرست أى انطمست. والشرك ـ بضمتين جمع شراك وهى الطريق.
(٣) الاظلاف جمع ظلف ـ بالكسر للبقر والشاة وشبههما كالخف للبعير ، والقدم للانسان. والسنابك جمع سنبك كقنقد وهو طرف الحافر.
(٤) السهود عدم النوم وذلك كما يقال : جوده بخل ، وهكذا بعده. (٥) المصدر ص ٥٩.
(٦) عرج عن الشئ : تركه ، والظاهر أن المعنى فاز من قام في طلب المقصود اذا تهيأ أسبابه ، ووجد أعوانا ، والجناح عبارة عنها أو انفاد لما يجرى عليه وقعد عن الطلب رأسا اذا فقد أسبابه ، والمراد بالماء الاجن الخلافة والامارة مطلقا والاجن : المتغير الطعم واللون ، لا يستساغ.