هادفنجا ، وراقب ربه ، وخاف ذنبه ، وقدم خالصا ، واكتسب مذخورا (١) واجتنب محذورا ، ورمى غرضا (٢) وأحرز عوضا ، وكابر هواه (٣) ، وكذب مناه وجعل الصبر عطية نجاته ، والتقوى عدة وفاته ، وركب الطريقة الغراء ، ولزم المحجة البيضاء ، واغتنم المهل (٤) وبادر الاجل ، وتزود من العمل قبل انقطاع الامل.
٢٦ ـ ومن خطبه عليهالسلام : (٥)
يوبخ أهل الكوفة وقد تثاقلوا في الخروج إلى الخوارج معه : أيتها الفئة المجتمعة أبدانهم المتفرقة أديانهم إنه والله ما غرت دعوة من دعاكم ، ولا استراح قلب من قاساكم (٦) كلامكم يوهن الصم الصلاب ، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم المرتاب ، إذا دعوتكم إلى أمر فيه صلاحكم والذب عن حريمكم اعتراكم الفشل وجئتم بالعلل ، ثم قلتم : كيت وكيت وذيت وذيت أعاليل بأضاليل وأقوال الاباطيل ثم سألتموني التأخير ، دفاع ذي الدين المطول (٧) هيهات هيهات إنه لا يدفع الضيم
____________________
(١) أى عمل بما افترض الله عليه ويذخر ثوابه ليوم حاجته.
(٢) أى قصد إلى الحق فأصابه.
(٣) كابره : غالبه وخالفه ، والمكابرة : المغالبة.
(٤) الغراء : النيرة الواضحة ، والمحجة : جادة الطريق ومعظمه والمراد سبيل الحق ومنهج العدل. والمهل هنا بمعنى مدة الحياة مع العافية.
(٥) روى أن هذه الخطبة خطبها أمير المؤمنين عند اغارة الضحاك بن قيس بعد قصة الحكمين وعزمه على المسير إلى قتال معاوية.
(٦) قاساه ـ مقاساة الالم : كابده وعالج شدته.
(٧) « كيت وكيت » يكنى بهما عن الحديث والخبر ، يقول فلان كيت وكيت. و هكذا ذيت وذيت كناية عن الحديث والفعل. وقوله « أعاليل بأضاليل » خبر مبتدأ محذوف أى واذا دعوتكم إلى القتال تعللتم بأعاليل هى باطلة ضلالا عن سبيل الله. والمطول تطويل الموعد والمطل فيه ، والكثير المطل بالفتح وهو التسويف بالعدة أى دفاعكم كدفاعه.