ويوجب بعضها بعضا ، ولا يستوجب بعضها إلا ببعض (١) فأعظم مما افترض الله تبارك وتعالى من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية ، وحق الرعية على الوالي فريضة فرضها الله عزوجل لكل على كل ، فجعلها نظام الفتهم ، وعزا لدينهم (٢) وقواما لسنن الحق فيهم.
فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية ، فاذا أدت الرعية من الوالي حقه وأدى إليها الوالي كذلك عز الحق بينهم ، فقامت مناهج الدين ، واعتدلت معالم العدل وجرت على أذلالها السنن (٣) وصلح بذلك الزمان ، وطاب بها العيش ، وطمع في بقاء الدولة ، ويئست مطامع الاعداء وإذا غلبت الرعية على واليهم وعلا الوالي الرعية ، اختلف هنالك الكلمة وظهرت مطامغ الجور ، وكثر الادغال في الدين ، وتركت معالم السنن (٤) فعمل بالهوى ، وعطلت الآثار ، وكثر علل النفوس (٥) ولا يستوحش لجسيم حق عطل ولا لعظيم باطل اثل ، فهنالك تذل الابرار وتعز الاشرار ، وتخرب البلاد (٦)
____________________
الرعية مقابل بمثله وهو العدل فيهم وحسن السيرة.
(١) كما أن الوالى اذا لم يعدل لم يستحق الطاعة.
(٢) فانها سبب اجتماعهم به ويقهرون اعداء هم ويعزدينهم. وقوله : « قواما » أى به يقوم جريان الحق فيهم وبينهم.
(٣) في القاموس : ذل الطريق ـ بالكسر ـ : محجته. وامور الله جارية اذلالها وعلى أذلالها أى مجاريها جمع ذل ـ بالكسر ـ.
(٤) الادغال : بكسر الهمزة وهو أن يدخل في الشئ ما ليس منه وهو الابداع والتلبيس أو ـ بفتحها ـ جمع الدغل ـ بالتحريك : الفساد.
(٥) قال البحرانى : علل النفوس أمراضها بملكات السوء كالغل والحسد والعداوة ونحوها وقيل : عللها وجوه ارتكابها للمنكرات فتاتى في كل منكر بوجه ورأى فاسد.
(٦) التأثيل : التأصيل. ومجد مؤثل أى مجموع ذوأصل. وفى النهج « فعل » مكان أثل والتبعة ما يتبع اعمال العباد من العقاب وسوء العاقبة.