بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال : «وكم أهلكنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين * فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون ( يعني يهربون ) * لا تركضوا وارجعوا إلى ما اترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون ( فلما آتيهم العذاب ) قالوا ياويلنا إنا كنا ظالمين * فما زالت تلك دعويهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين (١)» وأيم الله إن هذه لعظة لكم وتخويف إن اتعظتم وخفتم.
ثم رجع إلى القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب. فقال :
«ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمن (٢)» فإن قلتم أيها الناس : إن الله إنما عنى بهذا أهل الشكر فكيف ذاك وهو يقول :
«ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينابها وكفى بنا حاسبين (٣)»؟.
اعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ، ولا تنشر لهم الدواوين وإنما تنشر الدواوين لاهل الاسلام ، فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله لم يختر هذه الدنيا وعاجلها لاحد من أوليائه ، ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها ، وظاهر بهجتها ، وإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم أيهم أحسن عملا لاخرته ، وأيم الله لقد ضرب لكم فيها الامثال ، وصرف الايات لقوم يعقلون ، فكونوا أيها المؤمنون من القوم الذين يعقلون ولا قوة إلا بالله ، وازهدوا فيما زهدكم الله فيه من عاجل الحياة الدنيا فإن الله يقول وقوله الحق «إنما مثل الحيوة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض ـ الاية (٤)» فكونوا عبادالله من القوم الذين يتفكرون ، ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله قد قال لمحمد نبيه صلىاللهعليهوآله ولاصحابه
____________________
(١) الانبياء : ١٢ إلى ١٥. وفى المصحف «وكم قصمنا» وقوله : «اترفتم» أى متعتم.
وقوله «خامدين» اى ميتين كخمود النار اذا طفئت.
(٢) الانبياء : ٤٦ وقوله : «نفحة» أى وقعة خفيفة.
(٣) الانبياء : ٤٧.
(٤) يونس : ٢٤.