وسحبت عليهم أذيال البوار ، وطحنتهم طحن الرحى للحب ، واستودعتهم هوج الرياح (١) تسحب عليهم أذيالها فوق مصارعهم في فلوات الارض.
فتلك مغانيهم وهذي قبورهم (٢) * توارثها أعصارها وقبورها أيها المجتهد في آثار من مضى من قبلك من امم السالفة ، توقف وتفهم ، وانظر أي عز ملك أو نعيم انس أو بشاشة ألف إلا نغصت أهله قرة أعينهم ، وفرقتهم أيدي المنون ، فألحقتهم بتجافيف التراب فأضحوا في فجوات قبورهم يتقلبون وفي بطون الهلكات عظاما ورفاتا وصلصالا في الارض هامدون (٣).
وآليت لا تبقى الليالي بشاشة (٤) * ولا جدة إلا سريعا خلوقها وفي مطالع أهل البرزخ ، وخمود تلك الرقدة ، وطول تلك الاقامة طفيت مصابيح النظر ، واضمحلت غوامض الفكر ، وذم الغفول أهل العقول ، وكم بقيت متلذذا في طوامس هوامد تلك الغرفات فنوهت بأسماء الملوك ، وهتفت بالجبارين (٥) ودعوت الاطباء والحكماء ، وناديت معادن الرسالة والانبياء ، أتململ تململ السليم (٦) وأبكي بكاء الحزين ، انادي ولات حين مناص (٧).
سوى أنهم كانوا فبانوا وأنني على جدد قصد سريعا لحوقها وتذكرت مراتب الفهم ، وغضاضة فطن العقول ، بتذكر قلب جريح ،
____________________
(١) الهوج جمع الهوجاء وهى من الرياح التى لا تستوى في هبوبها وتقلع البيوت.
(٢) المغانى : المواضع والمنازل.
(٣) الهامد : البالى.
(٤) آليت أى حلفت. والبشاشة السرور والابتهاج.
(٥) طمس الشئ : درس وانمحى ، ونوه الشئ من باب التفعيل ـ رفعه ، أو دعاه برفع الصوت ، أو رفع ذكره. وهتف الحمامة أى صاتت أو مدت صوتها. وهتفت الحمامة : ناحت.
(٦) تململ أى تقلب على فراشه مرضا أو غما. والسليم : اللديغ أو الجريح المشرف على الموت.
(٧) المناص : الخلاص الغضاضة : الذلة والمنقصة.