بالذين كانوا يبنون بكل ريع آية تعبثون ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون (١) و اتعظوا بالذين قالوا : «من أشد منا قوة» واتعظوا باخوانكم الذين نقلوا إلى قبورهم لا يدعون ركبانا ، قد جعل لهم من الضريح أكنانا ومن التراب أكفانا ومن الرفات جيرانا ، فهم جيرة لا يجيبون داعيا ، ولا يمنعون ضيما (٢) قد بادت أضغانهم فهم كمن لم يكن وكما قال الله عزوجل «فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين» (٣) استبدلوا بظهر الارض بطنا ، وبالسعة ضيقا ، وبالاهل غربة ، جاؤوها كما فارقوها بأعمالهم إلى خلود الابد كما قال عز من قائل «كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين» (٤).
٧٤ ـ وقال (٥) أيها الذام للدنيا أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك (٦) فقال قائل من الحاضرين بل أنا المجترم عليها يا أمير المؤمنين فقال له : فلم ذممتها؟
أليست دار صدق لمن صدقها ، ودار غنى لمن تزود منها ، ودار عافية لمن فهم عنها؟ مسجد أحبائه ، ومصلى أنبيائه ، ومهبط الملائكة ، ومتجر أوليائه ، اكتسبوا فيها الطاعة ، وربحوا فيها الجنة ، فمن ذا يذمها؟ وقد آذنت بانتهائها ، ونادت بانقضائها وأنذرت ببلائها ، فان راحت بفجيعة فقد غدت بمبتغى ، وإن أعصرت بمكروه فقد أسفرت بمشتهى (٧) ذمها رجال يوم الندامة ، ومدحها آخرون ، حدثتهم فصدقوا ، وذكرتهم فتذكروا.
فيا أيها الذام لها ، المغتر بغرورها متى غرتك؟ أم متى استذمت إليك أبمصارع
____________________
(١) الريع : المكن المرتفع. و «آية» أى علما للمارة ببنهائها.
(٢) الضيم : الظلم والتعدى. والضغن : الجقد ، الناحية ، الحضن ، الميل.
(٣) القصص : ٥٨.
(٤) الانبياء : ١٠٤.
(٥) مطالب السؤول ص ٥١.
(٦) تجرم على فلان اذا ادعى على ذنبا لم أفعله.
(٧) أعصرت : دخلت في العصر. وأسفر الصبح أى أضاء وأشرق.