٨٣ ـ وقال عليهالسلام : إنما الدنيا دار فناء وعناء وغير وعبر ، فمن فنائها أنك ترى الدهر موتر قوسه ، مفوق نبله ، يرمي الصحيح بالسقيم ، والحي بالميت و البرئ بالمتهم ، ومن عنائها أنك ترى المرء يجمع مالا يأكل ، ويبني مالا يسكن ويأمل مالا يدرك ، ومن غيرها أنك ترى المرحوم مغبوطا والمغبوط مرحوما ، ليس بينهم إلا نعيم زال أو مثلة حلت أو موت نزل ، ومن عبرها أن المرء يشرف عليه أمله حتى يختطفه دونه أجله.
٨٤ ـ وقال عليهالسلام : اجعل الدنيا شوكا وانظر أين تضع قدمك منها فإن من ركن إليها خذلته ، ومن أنس فيها أوحشته ، ومن يرغب فيها أوهنته ، ومن انقطع إليها قتلته ، ومن طلبها أرهقته ، ومن فرح بها أترحته (١) ومن طمع فيها صرعته ، ومن قدمها أخرته ، ومن ألزمها هانته ، ومن آثرها باعدته من الاخرة ومن بعد من الاخرة قرب إلي النار ، فهي دار عقوبة وزوال وفناء وبلاء ، نورها ظلمة وعيشها كدر ، وغنيها فقير ، وصحيحها سقيم ، وعزيزها ذليل ، فكل منعم برغدها شقي ، وكل مغرور بزينتها مفتون ، وعند كشف الغطاء يعظم الندم ، ويحمد الصدر أو يذم.
٨٥ ـ وقال عليهالسلام يأتي على الناس زمان لا يعرف فيه إلا الماحل ولا يظرف فيه إلا الفاجر (٢) ولا يؤتمن فيه إلا الخائن ، ولا يخون إلا المؤتمن ، يتخذون الفئ مغنما ، والصدقة مغرما ، وصلة الرحم منا ، والعبادة استطالة على الناس وتعديا وذلك يكون عند سلطان النساء ، ومشاورة الاماء ، وإمارة الصبيان.
٨٦ ـ وقال عليهالسلام : احذروا الدنيا إذا أمات الناس الصلاة ، وأضاعوا الامانات ، واتبعوا الشهوات ، واستحلوا الكذب ، وأكلوا الربا ، وأخذوا الرشى وشيدوا البناء ، واتبعوا الهوى ، وباعوا الدين بالدنيا ، واستخفوا بالدماء وركنوا إلى الرياء ، وتقاطعت الارحام ، وكان الحلم ضعفا ، والظلم فخرا
____________________
(١) الارهاق أن يحمل الانسان على مالا يطيقه. وأترحه أى أحزنه.
(٢) الماحل : الساعى إلى السلطان. ولا يظرف أى لا ينسب إلى الظرافة.